أَفَاقَ وَذَهَبَ (١) عَنْهُ الْبُكَاءُ فَأَخَذَ أَرْيُوسُ [وَطَنْطَيُوسُ] (٢) الْوَرِقَ فَنَظَرَا إِلَيْهَا وَعَجِبَا مِنْهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: أَيْنَ الْكَنْزُ الَّذِي وَجَدْتَ يَا فَتَى؟ فَقَالَ يَمْلِيخَا: مَا وَجَدْتُ كَنْزًا وَلَكِنَّ هَذَا وَرِقُ آبَائِي وَنَقْشُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَضَرْبُهَا وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا شَأْنِي وَمَا أَقُولُ لَكُمْ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: فَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ يَمْلِيخَا: أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَرَى أَنِّي مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: وَمَنْ أَبُوكَ وَمَنْ يَعْرِفُكَ فِيهَا فَأَنْبَأَهُمْ بِاسْمِ أَبِيهِ فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا يَعْرِفُهُ وَلَا أَبَاهُ فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: أَنْتَ رَجُلٌ كَذَّابٌ لَا تُنْبِئُنَا بِالْحَقِّ، فَلَمْ يَدْرِ يَمْلِيخَا مَا يَقُولُ لَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ نَكَّسَ رَأْسَهُ [وَأَطْرَقَ بَصَرَهُ] (٣) إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَوْلَهُ: هَذَا رَجُلٌ مَجْنُونٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِمَجْنُونٍ وَلَكِنَّهُ يُحَمِّقُ نَفْسَهُ عَمْدًا لِكَيْ يَنْفَلِتَ مِنْكُمْ فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا وَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظَرًا شَدِيدًا: أَتَظُنُّ أَنَّا نُرْسِلُكَ وَنُصَدِّقُكَ بِأَنَّ هَذَا مَالُ أَبِيكَ وَنَقْشُ هَذَا الْوَرِقِ وَضَرْبُهَا أكثر من ثلثمائة سَنَةٍ وَإِنَّمَا أَنْتَ غُلَامٌ شَابٌّ أَتَظُنُّ أَنَّكَ تَأْفِكُنَا وَتَسْخَرُ بِنَا وَنَحْنُ شُمْطٌ كَمَا تَرَى وَحَوْلَكَ سُرَاةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَوُلَاةُ أَمْرِهَا وَخَزَائِنُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ بِأَيْدِينَا وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ وَإِنِّي لَأَظُنُّنِي سَآمُرُ بِكَ فَتُعَذَّبُ عَذَابًا شَدِيدًا ثُمَّ أُوثِقُكَ حَتَّى تَعْتَرِفَ بِهَذَا الْكَنْزِ الَّذِي وَجَدْتَهُ.
فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ يَمْلِيخَا: أَنْبِئُونِي عَنْ شَيْءٍ أَسْأَلُكُمْ عَنْهُ فَإِنْ فَعَلْتُمْ صَدَقْتُكُمْ عَمَّا عِنْدِي، قَالُوا: سَلْ لَا نَكْتُمُكَ شَيْئًا قَالَ لَهُمْ: مَا فَعَلَ الْمَلِكُ دِقْيَانُوسُ؟ قَالُوا: لَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَلِكًا يُسَمَّى دِقْيَانُوسَ وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا مَلِكٌ هَلَكَ مُنْذُ زَمَانٍ وَدَهْرٍ طَوِيلٍ وَهَلَكَتْ بَعْدَهُ قُرُونٌ كَثِيرَةٌ فَقَالَ يَمْلِيخَا: إِنِّي إِذًا لَحَيْرَانُ وَمَا يُصَدِّقُنِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِمَا أَقُولُ لَقَدْ كُنَّا فِتْيَةٌ [عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْإِسْلَامُ] (٤) وَإِنَّ الْمَلِكَ أَكْرَهَنَا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالذَّبْحِ لِلطَّوَاغِيتِ فَهَرَبْنَا مِنْهُ عَشِيَّةَ أَمْسٍ فَنِمْنَا فَلَمَّا انْتَبَهْنَا خَرَجْتُ لِأَشْتَرِيَ لَهُمْ طَعَامًا وَأَتَجَسَّسَ الْأَخْبَارَ فَإِذَا أَنَا كَمَا تَرَوْنَ فَانْطَلِقُوا مَعِي إِلَى الْكَهْفِ الَّذِي فِي جَبَلِ بَنْجَلُوسَ أُرِيكُمْ أَصْحَابِي فَلَمَّا سَمِعَ أَرْيُوسُ مَا يَقُولُ يَمْلِيخَا قَالَ: يَا قَوْمُ لَعَلَّ هَذِهِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ جَعَلَهَا اللَّهُ لَكُمْ عَلَى يَدَيْ هَذَا الْفَتَى فَانْطَلِقُوا بِنَا مَعَهُ يُرِينَا أَصْحَابَهُ.
فَانْطَلَقَ مَعَهُ أَرْيُوسُ وَأَسْطَيُوسُ وَانْطَلَقَ مَعَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كَبِيرُهُمْ وَصَغِيرُهُمْ نَحْوَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ وَلَمَّا رَأَى الْفِتْيَةُ أَصْحَابُ الْكَهْفِ يَمْلِيخَا قَدِ احْتَبَسَ عَنْهُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ عَنِ الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ يَأْتِي بِهِ ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ أُخِذَ فَذُهِبَ بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَظُنُّونَ ذَلِكَ وَيَتَخَوَّفُونَهُ إِذْ سَمِعُوا الْأَصْوَاتَ وَجَلَبَ الْخَيْلِ مُصَعِّدَةً نَحْوَهُمْ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ رُسُلُ الْجَبَّارِ دِقْيَانُوسَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ لِيُؤْتَى بِهِمْ فَقَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَوْصَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالُوا انْطَلِقُوا بِنَا نَأْتِ أَخَانَا يَمْلِيخَا فَإِنَّهُ الْآنَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ يَنْتَظِرُ مَتَى نَأْتِيهِ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ
(٢) في "أ": أسطيوس.
(٣) ساقط من "ب".
(٤) ساقط من "أ".