وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مِنْ لَدُنْ دَخَلُوا الْكَهْفَ إِلَى يومنا هذا ثلثمائة وَتِسْعُ سِنِينَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: "قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" يَعْنِي: بَعْدَ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إلا الله ٢١٨/أ
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾ قَرَأَ حمزة والكسائي "ثلثمائة" بِلَا تَنْوِينٍ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّنْوِينِ.
فَإِنْ قِيلَ: لم قال ثلثمائة سِنِينَ [وَلَمْ يَقُلْ سَنَةً؟] (١).
قِيلَ: نَزَلَ قَوْلُهُ: "وَلَبِثُوا في كهفهم ثلثمائة" فَقَالُوا: أَيَّامًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ؟ فَنَزَلَتْ "سِنِينَ".
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَضَعُ سِنِينَ فِي مَوْضِعِ سَنَةٍ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَبِثُوا فِي كهفهم سنين ثلثمائة.
﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ (٢) قَالَتْ نَصَارَى نجران أما ثلثمائة فَقَدْ عَرَفْنَا وَأَمَّا التِّسْعُ فَلَا عِلْمَ لَنَا بِهَا فَنَزَلَتْ.
﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (٢٦) ﴾
﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أنهم لبثوا ثلثمائة شَمْسِيَّةً وَاللَّهُ تعالى ذكر ثلثمائة قَمَرِيَّةً وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الشَّمْسِيَّةِ وَالْقَمَرِيَّةِ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ ثَلَاثَ سِنِينَ فيكون في ثلثمائة تِسْعُ سِنِينَ فَلِذَلِكَ قَالَ: "وَازْدَادُوا تِسْعًا".
﴿لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فَالْغَيْبُ مَا يَغِيبُ عَنْ إِدْرَاكٍ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَغِيبُ عَنْ إِدْرَاكِهِ شَيْءٌ.
﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ أَيْ: مَا أَبْصَرَ اللَّهَ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَأَسْمَعَهُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ! أَيْ: لَا يَغِيبُ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ شَيْءٌ.
﴿مَا لَهُمْ﴾ أَيْ: مَا لِأَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ أَيْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ نَاصِرٍ ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: " وَلَا تُشْرِكْ " بِالتَّاءِ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ وَالنَّهْيِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ أَيْ: لَا يُشْرِكُ اللَّهُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا. وَقِيلَ: "الْحُكْمُ" هَنَا عِلْمُ الْغَيْبِ أَيْ: لَا يُشْرِكُ فِي عِلْمِ غَيْبِهِ أَحَدًا.
(٢) الكلبي هو محمد بن السائب ضعيف. وانظر: زاد المسير: ٥ / ١٣١.