إِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: "وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي" وَهُوَ مُنْكِرُ الْبَعْثِ؟
قِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي -عَلَى مَا تَزْعُمُ أَنْتَ-يُعْطِينِي هُنَالِكَ خَيْرًا مِنْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطِنِي هَذِهِ الْجَنَّةَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِيُعْطِيَنِي فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْهَا.
﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (٣٧) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (٣٨) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (٣٩) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (٤٠) ﴾
﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ﴾ الْمُسْلِمُ ﴿وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ﴾ أَيْ خَلَقَ أَصْلَكَ مِنْ تُرَابٍ ﴿ثُمَّ﴾ خَلَقَكَ ﴿مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ أَيْ: عدلك بشرا ٢١٩/أسَوِيًّا ذَكَرًا. ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: "لَكِنَّا" بِالْأَلِفِ فِي الْوَصْلِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِلَا أَلِفٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى إِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي الْوَقْفِ وَأَصْلُهُ: "لَكِنَّ أَنَا" فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا ثُمَّ أُدْغِمَتْ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى قَالَ الْكِسَائِيُّ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مَجَازُهُ: لَكِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي ﴿وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ﴾ أَيْ: هَلَّا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ ﴿قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ أَيِ: الْأَمْرُ مَا شَاءَ اللَّهُ. وَقِيلَ: جَوَابُهُ مُضْمَرٌ أَيْ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَقَوْلُهُ: ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ أَيْ: لَا أَقْدِرُ عَلَى حِفْظِ مَالِي أَوْ دَفْعِ شَيْءٍ عَنْهُ إِلَّا [بِإِذْنِ اللَّهِ] (١).
وَرُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ أَوْ دَخْلَ حَائِطًا مَنْ حِيطَانِهِ قَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ (٢).
ثُمَّ قال: ﴿إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا﴾ وَ"أَنَا" عِمَادٌ وَلِذَلِكَ نُصِبَ أَقَلَّ (٣) مَعْنَاهُ: إِنْ تَرَنِي أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَتَكَبَّرْتَ وَتَعَظَّمْتَ عَلَيَّ. ﴿فَعَسَى رَبِّي﴾ فَلَعَلَّ ربي ﴿أَنْ يُؤْتِيَنِي﴾ يُعْطِيَنِي فِي الْآخِرَةِ
(٢) أخرجه سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم والبيهقي في "شعب الإيمان". انظر: الدر المنثور: ٥ / ٣٩١.
(٣) انظر: تفسير الطبري: ١٥ / ٢٤٩، زاد المسير: ٥ / ١٤٥.