قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا فَطَافَا فِي الْمَجَالِسِ فَاسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا" (١).
وَرُوِيَ أَنَّهُمَا طَافَا فِي الْقَرْيَةِ فَاسْتَطْعَمَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُوهُمَا واستضافوهم فلم يضيفموهما.
قَالَ قَتَادَةُ: شَرُّ الْقُرَى الَّتِي لَا تُضَيِّفُ الضَّيْفَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَطْعَمَتْهُمَا امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ بَرْبَرَ بَعْدَ أَنْ طَلَبَا مِنَ الرِّجَالِ فَلَمْ يُطْعِمُوهُمَا فَدَعَا لِنِسَائِهِمْ وَلَعَنَ رِجَالَهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ أَيْ يَسْقُطَ وَهَذَا مِنْ مَجَازِ كَلَامِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا إِرَادَةَ لَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: قَرُبَ وَدَنَا مِنَ السُّقُوطِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلَانٍ إِذَا كَانَتْ تُقَابِلُهَا.
﴿فَأَقَامَهُ﴾ أَيْ سَوَّاهُ وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ (٢).
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَسَحَ الْجِدَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَدَمَهُ ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيهِ وَقَالَ السُّدِّيُّ: بَلْ طَيَّنَا وَجَعَلَ يَبْنِي الْحَائِطَ.
﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: "لَتَخِذْتَ" بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "لَتَّخَذْتَ" بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ اتَّبَعَ وَتَبِعَ ﴿عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي عَلَى إِصْلَاحِ الْجِدَارِ ﴿أَجْرًا﴾ يَعْنِي جُعْلًا مَعْنَاهُ: إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّنَا جِيَاعٌ وَأَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ لَمْ يُطْعِمُونَا فَلَوْ أَخَذْتَ عَلَى عَمَلِكَ أَجْرًا.
﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨) ﴾
﴿قَالَ﴾ الْخَضِرُ: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ يَعْنِي هَذَا وَقْتُ فِرَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنِكَ وَقِيلَ: هَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى تَرْكِ الْأَجْرِ هُوَ الْمُفَرِّقُ بَيْنَنَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِنَا أَيْ فِرَاقُ اتِّصَالِنَا وَكَرَّرَ "بَيْنَ" تَأْكِيدًا.
﴿سَأُنَبِّئُكَ﴾ أَيْ سَوْفَ أُخْبِرُكَ ﴿بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ وَفِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ مُوسَى أَخَذَ بِثَوْبِهِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَعْنَى مَا عَمِلْتَ قَبْلَ أَنْ تُفَارِقَنِي فَقَالَ: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾
(٢) أي: أشار بيده فأقامه وهذا تعبير عن الفعل بالقول وهو شائع وهذا قطعة من حديث أبي السابق عند مسلم وبهذا يترجح هذا القول على الأقوال الأخرى. وانظر: الطبري: ١٥ / ٢٩٠-٢٩١.