﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢) ﴾
﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: بِالتَّشْدِيدِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ "التَّحْرِيمِ" وَ"الْقَلَمِ" وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَهُمَا لُغَتَانِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: "التَّبْدِيلُ": تَغْيِيرُ الشَّيْءِ أَوْ تَغْيِيرُ حَالِهِ وَعَيْنُ الشَّيْءِ قَائِمٌ وَ"الْإِبْدَالُ": رَفْعُ الشَّيْءِ وَوَضْعُ شَيْءٍ آخَرَ مَكَانَهُ ﴿رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ أَيْ صَلَاحًا وَتَقْوَى ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ: بِضَمِّ الْحَاءِ وَالْبَاقُونَ بِجَزْمِهَا أَيْ: عَطْفًا مِنَ الرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الرَّحِمِ وَالْقَرَابَةِ قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ وَأَبَرُّ بِوَالِدَيْهِ (١).
قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ جَارِيَةً فَتَزَوَّجَهَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَوَلَدَتْ لَهُ نَبِيًّا فَهَدَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ.
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ جَارِيَةً وَلَدَتْ سَبْعِينَ نَبِيًّا (٢).
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَبْدَلَهُمَا بِغُلَامٍ (٣).
قَالَ مُطَرِّفٌ: فَرِحَ بِهِ أَبَوَاهُ حِينَ وُلِدَ وَحَزِنَا عَلَيْهِ حِينَ قُتِلَ. وَلَوْ بَقِيَ لَكَانَ فِيهِ هَلَاكُهُمَا فَلْيَرْضَ امْرُؤٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ قَضَاءَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ فِيمَا يَكْرَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ قَضَائِهِ فِيمَا يُحِبُّ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ﴾ وَكَانَ اسْمُهُمَا أَصْرَمُ وَصَرِيمٌ ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْكَنْزِ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ ذَهَبًا وَفِضَّةً" (٤).

(١) قال الطبري: (١٦ / ٤) "ولا وجه للرحم في هذا الموضع لأن المقتول كان الذي أبدل منه والديه ولدا لأبوي المقتول، فقرابتهما من والديه وقربهما منه في الرحم سواء".
(٢) قال ابن عطية: وهذا بعيد ولا تعرف كثرة الأنبياء إلا في بني إسرائيل ولم تكن هذه المرأة منهم. (البحر المحيط: ٦ / ١٥٥).
(٣) انظر هذه الأقوال في الطبري: ١٦ / ٣-٤، زاد المسير: ٥ / ١٨٠ وقد مال الطبري إلى أن المقصود بالآية أن الله تعالى أبدلهما بالغلام جارية.
(٤) أخرجه الترمذي في تفسير سورة الكهف: ٨ / ٦٠٠، والحاكم في المستدرك ٢ / ٣٦٩، وأخرجه البخاري في تاريخه والطبراني (تحفة الأحوزي: ٨ / ٦٠١) ويزيد بن يوسف الصنعاني ضعيف قال الذهبي: "متروك" وإن كان حديثه أشبه بمعنى الكنز.


الصفحة التالية
Icon