وَقَالَ كَعْبٌ: هُمْ نَادِرَةٌ فِي وَلَدِ آدَمَ وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ احْتَلَمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَامْتَزَجَتْ نُطْفَتُهُ بِالتُّرَابِ فَخَلَقَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَهُمْ يَتَّصِلُونَ بِنَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ (١).
وَذَكَرَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ رَجُلًا مِنَ الرُّومِ ابْنَ عَجُوزٍ، فَلَمَّا بَلَغَ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا. قَالَ اللَّهُ لَهُ: إِنِّي بَاعِثُكَ إِلَى أُمَمٍ مُخْتَلِفَةٍ أَلْسِنَتُهُمْ، مِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا طُولُ الْأَرْضِ: إِحْدَاهُمَا عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ يُقَالُ لَهَا نَاسِكُ، وَالْأُخْرَى عِنْدَ مَطْلِعِهَا يُقَالُ لَهَا مَنْسَكُ، وَأُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الْأَرْضِ: إِحْدَاهُمَا فِي الْقُطْرِ الْأَيْمَنِ يُقَالُ لَهَا هَاوِيلُ، وَالْأُخْرَى فِي قُطْرِ الْأَرْضِ الْأَيْسَرِ يُقَالُ لَهَا تَاوِيلُ، وَأُمَمٌ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ مِنْهُمُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: بِأَيِّ قُوَّةٍ أُكَابِرُهُمْ؟ وَبِأَيِّ جَمْعٍ أُكَاثِرُهُمْ؟ وَبِأَيِّ لِسَانٍ أُنَاطِقُهُمْ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي سَأُطَوِّفُكَ وَأَبْسُطُ لَكَ لِسَانَكَ وَأَشُدُّ عَضُدَكَ فَلَا يَهُولَنَّكَ شَيْءٌ وَأُلْبِسُكَ الْهَيْبَةَ فَلَا يَرُوعُكَ شَيْءٌ وَأُسَخِّرُ لَكَ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ وَأَجْعَلُهُمَا مِنْ جُنُودِكَ يَهْدِيكَ النُّورُ مِنْ أَمَامِكَ وتَحُوطُكَ الظُّلْمَةُ مِنْ وَرَائِكَ.
فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى مَغْرِبَ الشَّمْسِ فَوَجَدَ جَمْعًا وَعَدَدًا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ، فَكَابَرَهُمْ بِالظُّلْمَةِ حَتَّى جَمَعَهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ فَعَمَدَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا عَنْهُ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الظُّلْمَةَ فَدَخَلَتْ فِي أَجْوَافِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ فَدَخَلُوا فِي دَعْوَتِهِ فَجَنَّدَ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ جُنْدًا عَظِيمًا فَانْطَلَقَ يَقُودُهُمْ وَالظُّلْمَةُ تَسُوقُهُمْ حَتَّى أَتَى هَاوِيلَ فَعَمِلَ فِيهِمْ كَعَمَلِهِ فِي نَاسِكَ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَنْسَكٍ عِنْدَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ فَعَمِلَ فِيهَا وَجَنَّدَ مِنْهَا جُنُودًا كَفِعْلِهِ فِي الْأُمَّتَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ نَاحِيَةَ الْأَرْضِ الْيُسْرَى فَأَتَى تَاوِيلَ فَعَمِلَ فِيهَا كَعَمَلِهِ فِيمَا قَبْلَهَا، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الْأُمَمِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْأَرْضِ، فَلَمَّا دَنَا مِمَّا يَلِي مُنْقَطَعَ التُّرْكِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ قَالَتْ لَهُ أُمَّةٌ صَالِحَةٌ مِنَ الْإِنْسِ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ بَيْنَ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ خَلْقًا أَشْبَاهَ الْبَهَائِمِ يَفْتَرِسُونَ الدَّوَابَّ وَالْوُحُوشَ [لَهُمْ أَنْيَابٌ وَأَضْرَاسٌ] (٢) كَالسِّبَاعِ يَأْكُلُونَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ ذِي رُوحٍ خُلِقَ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ يَزْدَادُ خَلْقٌ كَزِيَادَتِهِمْ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ سَيَمْلَئُونَ الْأَرْضَ وَيَظْهَرُونَ عَلَيْنَا وَيُفْسِدُونَ فِيهَا، فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ: مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ قَالَ: أَعِدُّوا إِلَيَّ الصُّخُورَ وَالْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ حَتَّى أَعْلَمَ عِلْمَهُمْ.
فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَسَّطَ بِلَادَهُمْ فَوَجَدَهُمْ عَلَى مِقْدَارٍ وَاحِدٍ يَبْلُغُ طُولُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِثْلَ نِصْفِ الرَّجُلِ الْمَرْبُوعِ مِنَّا لَهُمْ مَخَالِيبُ كَالْأَظْفَارِ فِي أَيْدِينَا وَأَنْيَابٌ وَأَضْرَاسٌ كَالسِّبَاعِ وَلَهُمْ هُدْبٌ مِنَ الشَّعَرِ فِي

(١) قال الحافظ ابن كثير: (٣ / ١٠٤-١٠٥) : وقد حكى النووي رحمه الله في "شرح مسلم" عن بعض الناس أن يأجوج ومأجوج خلقوا من مني خرج من آدم فاختلط بالتراب، فخلقوا من ذلك. فعلى هذا يكونون مخلوقين من آدم وليسوا من آدم وحواء، وهذا قول غريب جدا ثم لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب لما عندهم من الأحاديث المفتعلة، والله أعلم.
(٢) زيادة من "ب".


الصفحة التالية
Icon