عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بعوضة"، وقال اقرؤوا ما شِئْتُمْ: ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ (١).
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: يَأْتِي أُنَاسٌ بِأَعْمَالٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هِيَ عِنْدَهُمْ فِي الْعِظَمِ كَجِبَالِ تِهَامَةَ فَإِذَا وَزَنُوهَا لَمْ تَزِنْ شَيْئًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾
﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧) ﴾
﴿ذَلِكَ﴾ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ حُبُوطِ أَعْمَالِهِمْ وَخِسَّةِ أَقْدَارِهِمْ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: ﴿جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي﴾ يَعْنِي الْقُرْآنَ ﴿وَرُسُلِي هُزُوًا﴾ أَيْ سُخْرِيَةً وَمَهْزُوءًا بِهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ﴾ رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ" (٢).
قَالَ كَعْبٌ: لَيْسَ فِي الْجِنَانِ جَنَّةٌ أَعْلَى مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ فِيهَا الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ (٣).
وَقَالَ قَتَادَةُ: "الْفِرْدَوْسُ": رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا وَأَرْفَعُهَا (٤).
قَالَ كَعْبٌ: "الْفِرْدَوْسُ": هُوَ الْبُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ الْأَعْنَابُ (٥).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْبُسْتَانُ بِالرُّومِيَّةِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ الْجَنَّةُ بِلِسَانِ الْحَبَشِ (٦).
قَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ بِالرُّومِيَّةِ منقول إلى ٢٢٤/ألَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الْجَنَّةُ الْمُلْتَفَّةُ الْأَشْجَارِ.
وَقِيلَ: هِيَ الرَّوْضَةُ الْمُسْتَحْسَنَةُ.
(٢) قطعة من حديث أخرجه البخاري في التوحيد، باب "وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم": ١٣ / ٤٠٤.
(٣) أخرجه الطبري: ١٦ / ٣٦.
(٤) الطبري: ١٦ / ٣٦، ورواه أيضا مرفوعا عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب: ١٦ / ٣٨.
(٥) المرجع السابق ١٦ / ٣٦.
(٦) انظر: الطبري: ١٦ / ٣٦، وساق جملة أحاديث تؤيد أن المعنى بالآية: إن الذين صدقوا بالله ورسوله، وأقروا بتوحيد الله وما أنزل من كتبه، وعملوا بطاعته، كانت لهم بساتين الفردوس، والفردوس معظم الجنة. انظر: ١٦ / ٣٧-٣٨.