وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ شَبَهًا وَمِثْلًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا" أَيْ مِثْلًا.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْصِ وَلَمْ يَهُمَّ بِمَعْصِيَةٍ قَطُّ.
وَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، لِأَنَّهُ كَانَ سَيِّدًا وَحَصُورًا.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَيْ لَمْ تَلِدِ الْعَوَاقِرُ مِثْلَهُ وَلَدًا.
وَقِيلَ: لَمْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ اجْتِمَاعَ الْفَضَائِلِ كُلِّهَا لِيَحْيَى، إِنَّمَا أَرَادَ بَعْضَهَا، لِأَنَّ الْخَلِيلَ وَالْكَلِيمَ كَانَا قَبْلَهُ، وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْهُ.
﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠) ﴾
﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى﴾ مِنْ أَيْنَ ﴿يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ أَيْ: وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ (١). ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ أَيْ: يَبَسًا، قَالَ قَتَادَةُ: يُرِيدُ نُحُولَ الْعَظْمِ، يُقَالُ: عَتَا الشَّيْخُ يَعْتُو عِتِيًّا وَعِسِيًّا: إِذَا انْتَهَى سِنَّهُ وَكَبِرَ، وَشَيْخٌ عَاتٍ وَعَاسٍ: إِذَا صَارَ إِلَى حَالَةِ الْيَبَسِ وَالْجَفَافِ.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: عِتِيًّا وَبِكِيًّا وَصِلِيًّا وَجِثِيًّا بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ، وَالْبَاقُونَ بِرَفْعِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. ﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ يَسِيرٌ ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " خَلَقْنَاكَ " بِالنُّونِ وَالْأَلِفِ عَلَى التَّعْظِيمِ، ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ مِنْ قَبْلِ يَحْيَى ﴿وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ دَلَالَةً عَلَى حَمْلِ امْرَأَتِي ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ أَيْ: صَحِيحًا سَلِيمًا مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ وَلَا خَرَسٍ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ لَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْكَلَامِ مَرَضٌ.

(١) وعلى هذا فـ "كانت": توكيد للكلام، كقوله تعالى: (كنتم خير أمة) (آل عمران-١١٠) أي: أنتم خير أمة. وقيل معنى الآية: أنها كانت منذ كانت عاقرا، لم يحدث ذلك بها. ذكر هذين القولين ابن الأنباري واختار الأول منهما. انظر: "زاد المسير": ٥ / ٢١١.


الصفحة التالية
Icon