﴿قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢) ﴾
﴿قَالَ﴾ جِبْرِيلُ: ﴿كَذَلِكِ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ كَمَا قُلْتِ يَا مَرْيَمُ وَلَكِنْ، ﴿قَالَ رَبُّكِ﴾ وَقِيلَ هَكَذَا قَالَ رَبُّكِ، ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ أَيْ: خَلْقُ وَلَدٍ بِلَا أَبٍ، ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً﴾ عَلَامَةً، ﴿لِلنَّاسِ﴾ وَدَلَالَةً عَلَى قُدْرَتِنَا، ﴿وَرَحْمَةً مِنَّا﴾ وَنِعْمَةً لِمَنْ تَبِعَهُ عَلَى دِينِهِ، ﴿وَكَانَ﴾ ذَلِكَ، ﴿أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ مَحْكُومًا مَفْرُوغًا عَنْهُ لَا يُرَدُّ وَلَا يُبَدَّلُ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَحَمَلَتْهُ﴾ قِيلَ: إِنَّ جِبْرِيلَ رَفَعَ دِرْعَهَا فَنَفَخَ فِي جَيْبِهِ (١) فَحَمَلَتْ حِينَ لَبِسَتْ.
وَقِيلَ: مَدَّ جَيْبَ دِرْعَهَا بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ نَفَخَ فِي الْجَيْبِ.
وَقِيلَ: نَفَخَ فِي كُمِّ قَمِيصِهَا. وَقِيلَ: فِي فِيهَا.
وَقِيلَ: نَفَخَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَفْخًا مِنْ بَعِيدٍ فَوَصَلَ الرِّيحُ إِلَيْهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى فِي الْحَالِ (٢) ﴿فَانْتَبَذَتْ بِهِ﴾ أَيْ تَنَحَّتْ بِالْحَمْلِ وَانْفَرَدَتْ، ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾ بَعِيدًا مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَقْصَى الْوَادِي، وَهُوَ وَادِي بَيْتِ لَحْمٍ، فِرَارًا مَنْ قَوْمِهَا أَنْ يُعَيِّرُوهَا بِوِلَادَتِهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ حَمْلِهَا وَوَقْتِ وَضْعِهَا؛ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ الْحَمْلُ وَالْوِلَادَةُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَقِيلَ: كَانَ مُدَّةُ حَمْلِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَحَمْلِ سَائِرِ النِّسَاءِ.

(١) في "ب": جيبها.
(٢) قال الشيخ الشنقيطي في "أضواء البيان": (٤ / ٢٤١). أشار الله تعالى إلى كيفية حمل مريم: أنه نفخ فيها، فوصل النفخ إلى فرجها، فوقع الحمل بسبب ذلك، كما قال: "ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا" (سورة التحريم-١٢) وقال: "والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا" (سورة الأنبياء-٩١). والذي عليه الجمهور من العلماء: أن المراد بذلك النفخ نفخ جبريل فيها بإذن الله فحملت، كما تدل لذلك قراءة الجمهور في قوله تعالى: "إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا"، ولا ينافي ذلك إسناد الله جل وعلا النفخ المذكور لنفسه في قوله: "فنفخنا" لأن جبريل إنما أوقعه بإذنه وأمره ومشيئته، وهو تعالى الذي خلق الحمل من ذلك النفخ، فجبريل لا قدرة له على أن يخلق الحمل من ذلك النفخ، ومن أجل كونه بإذنه ومشيئته وأمره تعالى، ولا يمكن أن يقع النفخ المذكور ولا وجود الحمل منه إلا بمشيئته جل وعلا - أسنده إلى نفسه. وقول من قال: إن فرجها الذي نفخ فيه الملك هو جيب درعها ظاهر السقوط. بل النفخ الواقع في جيب الدرع وصل إلى الفرج المعروف فوقع الحمل.


الصفحة التالية
Icon