وَقِيلَ: رَفَعَهُ عَلَى الْحَجْبِ حَتَّى سَمِعَ صَرِيرَ الْقَلَمِ (١).
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥٤) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٥٦) ﴾
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ وَذَلِكَ حِينَ دَعَا مُوسَى فَقَالَ: "وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي" (طَهَ: ٢٩-٣٠) فَأَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَأَرْسَلَ هَارُونَ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ هِبَةً لَهُ (٢). قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ﴾ وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ يَعِدْ شَيْئًا إِلَّا وَفَّى بِهِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَعَدَ رَجُلًا أَنْ يُقِيمَ مَكَانَهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَأَقَامَ إِسْمَاعِيلُ مَكَانَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلْمِيعَادِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: انْتَظَرَهُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ (٣).
﴿وَكَانَ رَسُولًا﴾ إِلَى جُرْهُمَ ﴿نَبِيًّا﴾ مُخْبِرًا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ﴾ أَيْ: قَوْمَهُ وَقِيلَ: أَهْلَهُ وَجَمِيعَ أُمَّتِهِ ﴿بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ الَّتِي افْتُرِضَتْ عَلَيْنَا، ﴿وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ قَائِمًا بِطَاعَتِهِ. قِيلَ: رَضِيَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنُبُّوتِهِ وَرِسَالَتِهِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ﴾ وَهُوَ جَدُّ أَبِي نُوحٍ وَاسْمُهُ "أَخْنُوخُ" سُمِّيَ إِدْرِيسَ لِكَثْرَةِ دَرْسِهِ الْكُتُبَ. وَكَانَ خَيَّاطًا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ، وَأَوَّلُ مَنْ خَاطَ الثِّيَابَ، وَلَبِسَ الْمَخِيطَ، وَكَانُوا مِنْ قَبْلِهِ يَلْبَسُونَ الْجُلُودَ، وَأَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ السِّلَاحَ، وَقَاتَلَ الْكُفَّارَ وَأَوَّلُ مَنْ نَظَرَ فِي عِلْمِ
(٢) قال الطبري: (١٦ / ٩٥) يقول: ووهبنا لموسى رحمة منا أخاه هارون "نبيا" يقول: أيدناه بنبوته وأعناه بها. وعن ابن عباس قال: كان هارون أكبر من موسى، ولكن أراد: وهب له نبوته.
(٣) انظر: الطبري: ١٦ / ٩٦، ابن كثير: ٣ / ١١٢٦؛ ففيهما جملة آثار. وقال ابن جريج: لم يعد ربه عدة إلا أنجزها. يعني ما التزم عباده بنذر قط إلا قام بها ووفاها حقها.