وَقَالَ الْأَخْفَشُ: أَكَادُ: أَيْ أُرِيدُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أُرِيدُ أُخْفِيهَا.
وَالْمَعْنَى فِي إِخْفَائِهَا التَّهْوِيلُ وَالتَّخْوِيفُ، لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ كَانُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْهَا كُلَّ وَقْتٍ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِفَتْحِ الْأَلِفِ أَيْ أُظْهِرُهَا، يُقَالُ: خَفَيْتُ الشَّيْءَ: إِذَا أَظْهَرْتُهُ، وَأَخْفَيْتُهُ: إِذَا سَتَرْتُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ أَيْ بِمَا تَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.
﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (١٦) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨) ﴾
﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا﴾ فَلَا يَصْرِفَنَّكَ عَنِ الْإِيمَانِ بِالسَّاعَةِ، ﴿مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ مُرَادُهُ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ ﴿فَتَرْدَى﴾ أَيْ: فَتَهْلَكَ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ سُؤَالُ تَقْرِيرٍ، وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا السُّؤَالِ: تَنْبِيهُهُ وَتَوْقِيفُهُ عَلَى أَنَّهَا عَصًا حَتَّى إِذَا قَلَبَهَا حَيَّةً عَلِمَ أَنَّهُ مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ. وَهَذَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ: هَلْ تَعْرِفُ هَذَا؟ وَهُوَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ يَعْرِفُهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْضَمَّ إِقْرَارُهُ بِلِسَانِهِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ بِقَلْبِهِ. ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ﴾ قِيلَ: وَكَانَتْ لَهَا شُعْبَتَانِ، وَفِي أَسْفَلِهَا سِنَانٌ، وَلَهَا مِحْجَنٌ. قَالَ مُقَاتِلٌ: اسْمُهَا نَبْعَةُ.
﴿أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾ أَعْتَمِدُ عَلَيْهَا إِذَا مَشَيْتُ وَإِذَا أَعْيَيْتُ وَعِنْدَ الْوَثْبَةِ، ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ أَضْرِبُ بِهَا الشَّجَرَةَ الْيَابِسَةَ لِيَسْقُطَ وَرَقُهَا فَتَرْعَاهُ الْغَنَمُ.
وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ " وَأَهُسُّ " بِالسِّينِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ: أَزْجُرُ بِهَا الْغَنَمَ، وَ"الْهَسُّ": زَجْرُ الْغَنَمِ.
﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ حَاجَاتٌ وَمَنَافِعُ أُخْرَى، جَمْعُ "مَأْرَبَةٍ" بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، وَلَمْ يَقُلْ: " أُخَرُ " لِرُءُوسِ الْآيِ. وَأَرَادَ بِالْمَآرِبِ: مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْعَصَا فِي السَّفَرِ، وَكَانَ يَحْمِلُ بِهَا الزَّادَ وَيَشُدُّ بِهَا الْحَبْلَ (١) فَيَسْتَقِي الْمَاءَ مِنَ الْبِئْرِ، وَيَقْتُلُ بِهَا الْحَيَّاتِ، وَيُحَارِبُ بِهَا السِّبَاعَ، وَيَسْتَظِلُّ بِهَا إِذَا قَعَدَ