﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) ﴾
﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ أَيْ: سَهِّلْ عَلَيَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إِلَى فِرْعَوْنَ. ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾ وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى كَانَ فِي حَجْرِ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي صِغَرِهِ، فَلَطَمَ فِرْعَوْنَ لَطْمَةً وَأَخْذَ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِآسِيَةَ امْرَأَتِهِ: إِنَّ هَذَا عَدُوِّي وَأَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَقَالَتْ آسِيَةُ: إِنَّهُ صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ وَلَا يُمَيِّزُ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ أُمَّ مُوسَى لَمَّا فَطَمَتْهُ رَدَّتْهُ، فَنَشَأَ مُوسَى فِي حَجْرِ فِرْعَوْنَ وَامْرَأَتِهِ آسِيَةَ يُرَبِّيَانِهِ، وَاتَّخَذَاهُ وَلَدًا، فَبَيْنَمَا هُوَ يَلْعَبُ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْ فِرْعَوْنَ وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ يَلْعَبُ بِهِ إِذْ رَفَعَ الْقَضِيبَ فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ فِرْعَوْنَ، فَغَضِبَ فِرْعَوْنُ وَتَطَيَّرَ بِضَرْبِهِ، حَتَّى هَمَّ بِقَتْلِهِ، فَقَالَتْ آسِيَةُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ صَغِيرٌ لَا يَعْقِلُ فَجَرِّبْهُ إِنْ شِئْتَ، وَجَاءَتْ بِطَشْتَيْنِ: فِي أَحَدِهِمَا الْجَمْرُ، وَفِي الْآخَرِ الْجَوَاهِرُ، فَوَضَعَتْهُمَا بَيْنَ يَدَيْ مُوسَى فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَوَاهِرَ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ بِيَدِ مُوسَى فَوَضَعَهَا عَلَى النَّارِ فَأَخَذَ جَمْرَةً فَوَضَعَهَا فِي فَمِهِ فَاحْتَرَقَ لِسَانُهُ وَصَارَتْ عَلَيْهِ عُقْدَةٌ (١). ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ يَقُولُ: احْلُلِ الْعُقْدَةَ كَيْ يَفْقَهُوا كَلَامِي. ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا﴾ مُعِينًا وَظَهِيرًا، ﴿مِنْ أَهْلِي﴾ وَالْوَزِيرُ مَنْ يُوَازِرُكَ وَيُعِينُكَ وَيَتَحَمَّلُ عَنْكَ بَعْضَ ثِقَلِ عَمَلِكَ، ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ هُوَ فَقَالَ: ﴿هَارُونَ أَخِي﴾ وَكَانَ هَارُونُ أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَكَانَ أَفْصَحَ مِنْهُ لِسَانًا وَأَجْمَلَ وَأَوْسَمَ، وَأَبْيَضَ اللَّوْنِ، وَكَانَ مُوسَى آدَمَ أَقْنَى جَعْدًا. ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ قَوِّ بِهِ ظَهْرِي. ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ أَيْ: فِي النُّبُوَّةِ وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ "أَشْدُدْ" بِفَتْحِ الْأَلِفِ "وَأُشْرِكْهُ " بِضَمِّهَا عَلَى الْجَوَابِ، حِكَايَةً عَنْ مُوسَى، أَيْ: أَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ عَلَى الدُّعَاءِ.

(١) جزء من حديث "الفتون" عن ابن عباس موقوفا عليه، رواه الطبري في التفسير: ١٦ / ١٦٤ - ١٦٧، وعزاه الهيثمي لأبي يعلى، وقال: "رجاله رجال الصحيح غير أصبغ بن زيد، والقاسم بن أبي أيوب وهما ثقتان". وقال ابن كثير: "رواه النسائي في السنن الكبرى، وأخرجه أبو جعفر ابن جرير، وابن أبي حاتم في تفسيرهما، كلهم من حديث يزيد بن هارون، وهو موقوف من كلام ابن عباس، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه، وكأنه تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره. والله أعلم، وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا". انظر: مجمع الزوائد: ٧ / ٦٦، وتفسير ابن كثير: ٣ / ١٥٤، وتفسير النسائي: ١ / ٦٤٦ - ٧٤٧.


الصفحة التالية
Icon