﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (٦٤) ﴾
﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) ﴾
﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ﴾ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: " فَاجْمَعُوا " بِوَصْلِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، مِنَ الْجَمْعِ، أَيْ لَا تَدَعُوا شَيْئًا مِنْ كَيْدِكُمْ إِلَّا جِئْتُمْ بِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: "فَجَمَعَ كَيْدَهُ"، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَكَسْرِ الْمِيمِ. فَقَدْ قِيلَ: مَعْنَاهُ الْجَمْعُ أَيْضًا، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَجْمَعْتُ الشَّيْءَ وَجَمَعْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ الْعَزْمُ وَالْإِحْكَامُ، أَيِ: اعْزِمُوا كُلُّكُمْ عَلَى كَيْدِهِ مُجْتَمِعِينِ لَهُ، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَيَخْتَلَّ أَمْرُكُمْ.
﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾ أَيْ جَمِيعًا، قَالَهُ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ، وَقَالَ قَوْمٌ: أَيْ مُصْطَفِّينَ مُجْتَمِعِينَ لِيَكُونَ أَشَدَّ لِهَيْبَتِكُمْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الصَّفُّ الْمُجَمَّعُ، وَيُسَمَّى الْمُصَلَّى صَفًّا. مَعْنَاهُ: ثُمَّ ائْتُوا الْمَكَانَ الْمَوْعُودَ.
﴿وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ أَيْ: فَازَ مَنْ غَلَبَ. ﴿قَالَوا﴾ يعني السحرة، ﴿يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ﴾ عَصَاكَ، ﴿وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى﴾ عَصَاهُ. ﴿قَالَ﴾ مُوسَى: ﴿بَلْ أَلْقُوا﴾ أَنْتُمْ أَوَّلًا ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ﴾ وَفِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ فَأَلْقَوْا فَإِذَا حِبَالُهُمْ ﴿وَعِصِيُّهُمْ﴾ جَمْعُ الْعَصَا، ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ "تُخَيَّلُ" بِالتَّاءِ رَدَّا إِلَى الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ رَدُّوهُ إِلَى الْكَيْدِ وَالسِّحْرِ، ﴿مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾
وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ لَمَّا أَلْقَوُا الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ أَخَذُوا أَعْيُنَ النَّاسِ، فَرَأَى مُوسَى وَالْقَوْمُ كَأَنَّ الْأَرْضَ امْتَلَأَتْ حَيَّاتٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَخَذَتْ مَيْلًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَرَأَوْا أَنَّهَا تَسْعَى (١). ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ أَيْ وَجَدَ، وَقِيلَ: أَضْمَرَ فِي نَفْسِهِ خَوْفًا، وَاخْتَلَفُوا فِي خَوْفِهِ: قِيلَ: خَوْفُ طَبْعِ الْبَشَرِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا تَقْصِدُهُ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: خَافَ عَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ فَيَشُكُّوا فِي أَمْرِهِ فَلَا يَتَّبِعُوهُ.

(١) ذكره الطبري: عن وهب بن منبه: ١٦ / ١٨٦.


الصفحة التالية
Icon