مُوسَى، فَيَرَى رَأْيَهُ فِيهَا، فَفَعَلُوا (١). قَوْلُهُ: ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ أَيْ: طَرَحْنَاهَا فِي الْحُفْرَةِ. ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ مَا مَعَهُ مِنَ الْحُلِيِّ فِيهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَوْقَدَ هَارُونُ نَارًا وَقَالَ: اقْذِفُوا فِيهَا مَا مَعَكُمْ، فَأَلْقَوْهُ فِيهَا، ثُمَّ أَلْقَى السَّامِرِيُّ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ تُرْبَةِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ (٢).
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ قَدْ أَخَذَ قَبْضَةً مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ فِي عِمَامَتِهِ.

(١) انظر: الطبري: ١٦ / ٢٠٠.
(٢) انظر: الطبري: ١٦ / ٢٠١.

﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (٨٩) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (٩١) ﴾
﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ أَيْ: تَرَكَهُ مُوسَى هَاهُنَا، وَذَهَبَ يَطْلُبُهُ. وَقِيلَ: أَخْطَأَ الطَّرِيقَ وَضَلَّ (١). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ أَيْ: لَا يَرَوْنَ أَنَّ الْعِجْلَ لا يكلمهم ولايجيبهم إِذَا دَعَوْهُ، ﴿وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ وَقِيلَ: إِنَّ هَارُونَ مَرَّ عَلَى اَلسَّامِرِيِّ وَهُوَ يَصُوغُ الْعِجْلَ فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: أَصْنَعُ مَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ فَادْعُ لِي، فَقَالَ هَارُونُ: اللَّهُمَّ أَعْطِهِ مَا سَأَلَكَ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ، فَأَلْقَى التُّرَابَ فِي فَمِ الْعِجْلِ وَقَالَ كُنْ عِجْلًا يَخُورُ فَكَانَ كَذَلِكَ بِدَعْوَةِ هَارُونَ (٢).
وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِتْنَةً ابْتَلَى اللَّهُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ﴾ مِنْ قَبْلِ رجوع موسى، ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ﴾ ابْتُلِيتُمْ بِالْعِجْلِ، ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي﴾ عَلَى دِينِي فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، ﴿وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ فِي تَرْكِ عِبَادَةِ الْعِجْلِ. ﴿قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ﴾ أَيْ لَنْ نَزَالَ، ﴿عَلَيْهِ﴾ عَلَى عِبَادَتِهِ، ﴿عَاكِفِينَ﴾ مُقِيمِينَ، ﴿حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ فَاعْتَزَلَهُمْ هَارُونُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْلَ، فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى
(١) انظر: الطبري: ١٦ / ٢٠١.
(٢) انظر فيما سبق: ٥ / ٢٧١ تخريج حديث "الفتون": وراجع تفسير ابن كثير: ٣ / ١٦٣.


الصفحة التالية
Icon