وَوَصْلٌ، فَحَالَتُهُ فِي الْفَصْلِ النَّصْبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾ (القَمَرِ: ٧)، ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا﴾ (الإِنْسَانِ: ١١)، وَ ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ وَفِي الْوَصْلِ حَالَةُ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ كَقَوْلِهِ، ﴿أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ (النِّسَاءِ: ٧٥) ؛ ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أَيْ أَشْرَكُوا، قَوْلُهُ: ﴿وَأَسَرُّوا﴾ فِعْلٌ تَقَدَّمَ الْجَمْعَ وَكَانَ حَقُّهُ وَأَسَرَّ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَرَادَ: وَالَّذِينَ ظَلَمُوا أَسَرُّوا النجوى.
وقيل: حمل "الَّذِينَ" رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، مَعْنَاهُ: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى، ثُمَّ قَالَ: وَهُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا.
وَقِيلَ: رُفِعَ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي أَسَرُّوا. قَالَ الْمُبَرِّدُ: هَذَا كَقَوْلِكَ إِنَّ الَّذِينَ فِي الدَّارِ انْطَلَقُوا بَنُو عَبْدِ اللَّهِ، عَلَى الْبَدَلِ مِمَّا فِي انْطَلَقُوا ثُمَّ بَيَّنَ سِرَّهِمُ الَّذِي تَنَاجَوْا بِهِ فَقَالَ: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ أَنْكَرُوا إِرْسَالَ الْبَشَرِ وَطَلَبُوا إِرْسَالَ الْمَلَائِكَةِ.
﴿أَفَتَأْتُونَ﴾ أَيْ تَحْضُرُونَ السِّحْرَ وَتَقْبَلُونَهُ، ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ سِحْرٌ.
﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) ﴾
قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، ﴿رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: "قَالَ رَبِّي"، عَلَى الْخَبَرِ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ﴿يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لِأَقْوَالِهِمْ، ﴿الْعَلِيمُ﴾ بِأَفْعَالِهِمْ. ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ أَبَاطِيلُهَا [وَأَقَاوِيلُهَا] (١) وَأَهَاوِيلُهَا رَآهَا فِي النَّوْمِ، ﴿بَلِ افْتَرَاهُ﴾ اخْتَلَقَهُ، ﴿بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ يَعْنِي أَنَّ الْمُشْرِكِينَ اقتسموا القول ١٥/ب فِيهِ وَفِيمَا يَقُولُهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ فِرْيَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مُحَمَّدٌ شَاعِرٌ وَمَا جَاءَكُمْ بِهِ شِعْرٌ. ﴿فَلْيَأْتِنَا﴾ مُحَمَّدٌ ﴿بِآيَةٍ﴾ إِنْ كَانَ صَادِقًا ﴿كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ مِنَ الرُّسُلِ بِالْآيَاتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُجِيبًا لَهُمْ: ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ﴾ قَبْلَ مُشْرِكِي مَكَّةَ، ﴿مِنْ قَرْيَةٍ﴾ أَيْ مِنْ أَهْلِ

(١) زيادة من (ب).


الصفحة التالية
Icon