سَقِيمٌ، يَقُولُ أَشْتَكِي رِجْلِي فَلَمَّا مَضَوْا نَادَى فِي آخِرِهِمْ وَقَدْ بَقِيَ ضُعَفَاءُ النَّاسِ، ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ فَسَمِعُوهَا مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى بَيْتِ الْآلِهَةِ وَهُنَّ فِي بَهْوٍ عَظِيمٍ مُسْتَقْبِلُ بَابِ الْبَهْوِ صَنَمٌ عَظِيمٌ إِلَى جَنْبِهِ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَالْأَصْنَامُ بَعْضُهَا إِلَى جَنْبِ بَعْضٍ كُلِّ صَنَمٍ يَلِيهِ أَصْغَرُ مِنْهُ إِلَى بَابِ الْبَهْوِ، وَإِذَا هُمْ قَدْ جَعَلُوا طَعَامًا فَوَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيِ الْآلِهَةِ، وَقَالُوا: إِذَا رَجَعْنَا وَقَدْ بَرَّكَتِ الْآلِهَةُ فِي طَعَامِنَا أَكَلْنَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ وَإِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الطَّعَامِ، قَالَ لَهُمْ: عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ أَلَا تَأْكُلُونَ؟، فَلَمَّا لَمْ تُجِبْهُ قَالَ: مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ؟. فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ، وَجَعَلَ يَكْسِرُهُنَّ فِي يَدِهِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الصَّنَمُ الْأَكْبَرُ عَلَّقَ الْفَأْسَ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ خَرَجَ (١) فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ.

(١) أخرجه الطبري: ١٧ / ٣٨، وانظر الدر المنثور: ٥ / ٦٣٦ - ٦٣٧.

﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (٦٠) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) ﴾
﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا﴾ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ " جِذَاذًا " بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ كِسَرًا وَقِطَعًا جَمْعُ جَذِيذٍ، وَهُوَ الْهَشِيمُ مِثْلُ خَفِيفٍ وَخِفَافٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّهِ، مِثْلَ الْحُطَامِ وَالرُّفَاتِ، ﴿إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ﴾ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْسِرْهُ وَوَضَعَ الْفَأْسَ فِي عُنُقِهِ، وَقِيلَ رَبَطَهُ بِيَدِهِ وَكَانَتِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ صَنَمًا بَعْضُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَبَعْضُهَا مِنْ فِضَّةٍ وَبَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَشَبَّةٍ وَخَشَبٍ وَحَجَرٍ، وَكَانَ الصَّنَمُ الْكَبِيرُ مِنَ الذَّهَبِ مُكَلَّلًا بِالْجَوَاهِرِ فِي عَيْنَيْهِ يَاقُوتَتَانِ تَتَّقِدَانِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى دِينِهِ وَإِلَى مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ إِذَا عَلِمُوا ضَعْفَ الْآلِهَةِ وَعَجْزِهَا، وَقِيلَ: لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ فَيَسْأَلُونَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ الْقَوْمُ مِنْ عِيدِهِمْ إِلَى بَيْتِ آلِهَتِهِمْ وَرَأَوْا أَصْنَامَهُمْ جُذَاذًا. ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أَيْ مِنَ الْمُجْرِمِينَ. ﴿قَالُوا﴾ يَعْنِي الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾، ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ يَعِيبُهُمْ وَيَسُبُّهُمْ، ﴿يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ هُوَ الَّذِي نَظُنُّ صَنَعَ هَذَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَمْرُودَ الْجَبَّارَ وَأَشْرَافَ قَوْمِهِ. ﴿قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ قَالَ نَمْرُودُ: يَقُولُ جِيئُوا بِهِ ظَاهِرًا بِمَرْأَى مِنَ النَّاسِ، ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ عَلَيْهِ أَنَّهُ الَّذِي فَعَلَهُ، كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ، وَقَالَ


الصفحة التالية
Icon