ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَنْ قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ العاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" (١).
وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ حَكَمَا بِالْوَحْيِ، وَكَانَ حُكْمُ سُلَيْمَانَ نَاسِخًا لِحُكْمِ دَاوُدَ، وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ لِلْأَنْبِيَاءِ الْحُكْمُ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُمْ مُسْتَغْنُونَ عَنِ الِاجْتِهَادِ بِالْوَحْيِ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ الْخَطَأُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ (٢) وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَبِالْخَبَرِ حَيْثُ وَعَدَ الثَّوَابَ لِلْمُجْتَهِدِ عَلَى الْخَطَأِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا بَلْ إِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدِينَ فِي حَادِثَةٍ كَانَ الْحَقُّ مَعَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُصِيبًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْسِيمِ مَعْنًى، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ"، لَمْ يَرِدْ بِهِ أَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ يُؤْجَرُ عَلَى اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ عِبَادَةٌ، وَالْإِثْمُ فِي الْخَطَأِ عَنْهُ مَوْضُوعٌ إِذَا لَمْ يَأْلُ جُهْدَهُ (٣).
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا فَجَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكَ، وَقَالَتِ الْأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ وَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَهُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى" (٤).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ﴾ أَيْ وَسَخَّرْنَا الْجِبَالَ وَالطَّيْرَ يُسَبِّحْنَ مَعَ دَاوُدَ إِذَا سَبَّحَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يَفْهَمُ تَسْبِيحَ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ. قَالَ وَهْبٌ: كَانَتِ الْجِبَالُ تُجَاوِبُهُ بِالتَّسْبِيحِ وَكَذَلِكَ الطَّيْرُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُسَبِّحْنَ أَيْ يُصَلِّينَ مَعَهُ إِذَا صَلَّى. وَقِيلَ: كَانَ دَاوُدُ إِذَا فَتَرَ يُسْمِعُهُ اللَّهُ تَسْبِيحَ الْجِبَالِ وَالطَّيْرِ لِيَنْشَطَ فِي التَّسْبِيحِ وَيَشْتَاقَ إِلَيْهِ. ﴿وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾

(١) أخرجه البخاري في الاعتصام، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ: ١٣ / ٣١٨ ومسلم في الأقضية، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ برقم (١٧١٦) ٣ / ١٣٤٢ والمصنف في شرح السنة: ١٠ / ١١٥.
(٢) انظر القرطبي: ١١ / ٣٠٨ - ٣١٠.
(٣) انظر القرطبي: ١١ / ٣١١.
(٤) أخرجه البخاري في الأنبياء، باب: قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) ٦ / ٤٥٨ ومسلم في الأقضية، باب: بيان اختلاف المجتهدين برقم (١٧٢٠) ٣ / ١٣٤٣.


الصفحة التالية
Icon