"إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ"؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَلَيْسَتِ الْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا وَالنَّصَارَى تَعْبُدُ الْمَسِيحَ، وَبَنُو مَلِيحٍ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ هُمْ يَعْبُدُونَ الشَّيَاطِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ (١) يَعْنِي عُزَيْرًا وَالْمَسِيحَ وَالْمَلَائِكَةَ، ﴿أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ وَأَنْزَلَ فِي ابْنِ الزِّبْعَرَى: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ (الزُّخْرُفِ: ٥٨)، وَزَعَمَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ الْأَصْنَامُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ وَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّاسَ لَقَالَ وَمَنْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (٢).

(١) قال ابن حجر في الكافي الشاف: ص (١١١) ذكره الثعلبي ثم البغوي بغير إسناد، ولم أجده هكذا إلا ملفقا، فأما صدره ففي الطبراني الصغير من حديث ابن عباس... وأما قوله: وكانت صناديد قريش، فقصة أخرى ذكرها ابن إسحاق في المغازي والطبراني من طريق ابن عباس، وروى ابن مردويه والواحدي عن ابن عباس قال: لما نزلت (إنكم وما تعبدون من دون الله) شق ذلك على قريش... فذكر نحوه. انظر الطبري: ١٧ / ٩٧، أسباب النزول للواحدي: ص ٣٥٣ - ٣٥٤، مجمع الزوائد: ٧ / ٦٨ - ٦٩.
(٢) قال ابن حجر في الكافي الشاف: ص ١١١ - ١١٢ اشتهر في السنة كثير من علماء العجم وفي كتبهم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما أجهلك بلغة قومك، فإني قلت: (وما تعبدون) وهي لما لا يعقل، ولم أقل ومن تعبدون أ. هـ. وهو شيء لا أصل له ولا يوجد لا مسندا ولا غير مسند.

﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (١٠٢) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) ﴾
﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾ يَعْنِي صَوْتَهَا وَحَرَكَةَ تَلَهُّبِهَا إِذَا نَزَلُوا مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَالْحِسُّ وَالْحَسِيسُ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ: ﴿وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ مُقِيمُونَ كَمَا قَالَ: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾ (الزَّخْرُفِ: ٧١). ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ: النَّفْخَةُ الْأَخِيرَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ من في السموات ومن فِي الْأَرْضِ﴾ (النَّمُلِ: ٨٧)، قَالَ الْحَسَنُ: حِينَ يُؤْمَرُ بِالْعَبْدِ إِلَى النَّارِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حِينَ يُذْبَحُ الْمَوْتُ وَيُنَادَى يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ: هُوَ أَنْ تُطْبِقَ عَلَيْهِمْ جَهَنَّمُ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْهَا مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ (١). ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ أَيْ تَسْتَقْبِلُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ +يُهَنِّئُونَهُمْ، وَيَقُولُونَ: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾
(١) أخرج هذه الأقوال الطبري: ١٧ / ٩٨ - ٩٩، ثم رجح قائلا: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: ذلك عند النفخة الآخرة، وذلك أن من لم يحزنه ذلك الفزع الأكبر، وأمن منه، فهو مما بعده أحرى أن لا يفزع، وأن من أفزعه ذلك فغير مأمون عليه الفزع مما بعده.


الصفحة التالية
Icon