يَعْبُدُهُ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ﴾ صِحَّةٌ فِي جِسْمِهِ، وَسِعَةٌ فِي مَعِيشَتِهِ، ﴿اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ أَيْ: رَضِيَ بِهِ وَسَكَنَ إِلَيْهِ، ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ بَلَاءٌ فِي جَسَدِهِ، وَضِيقٌ فِي مَعِيشَتِهِ، ﴿انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ ارْتَدَّ وَرَجَعَ عَلَى عَقِبِهِ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا﴾ يَعْنِي هَذَا الشَّاكُّ خَسِرَ الدُّنْيَا بِفَوَاتِ مَا كَانَ يُؤَمِّلُ، ﴿وَالْآخِرَةَ﴾ بِذَهَابِ الدِّينِ وَالْخُلُودِ فِي النَّارِ. قَرَأَ يَعْقُوبُ " خَاسِرَ " بِالْأَلْفِ ﴿وَالْآخِرَةِ﴾ جَرٌّ. ﴿ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ الظَّاهِرُ.
﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣) ﴾
﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ﴾ إِنْ عَصَاهُ وَلَمْ يَعْبُدْهُ، ﴿وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾ إِنْ أَطَاعَهُ وَعَبَدَهُ، ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ عَنِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ. ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْقُرْآنِ وَفِيهَا أَسْئِلَةٌ:
أَوَّلُهَا قَالُوا: قَدْ قَالَ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى "يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ"، وَقَالَ هَاهُنَا: "لَمَنْ ضُرُّهُ أَقْرَبُ"، فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا؟
قِيلَ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى "يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ" أَيْ: لَا يَضُرُّهُ تَرْكُ عِبَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ: "لَمَنْ ضُرُّهُ أَقْرَبُ" أَيْ: ضَرُّ عِبَادَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ: "لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ" وَلَا نَفْعَ فِي عِبَادَةِ الصَّنَمِ أَصْلًا؟.
قِيلَ: هَذَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَا لَا يَكُونُ أَصْلًا بَعِيدٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ (ق: ٣) أَيْ: لَا رَجْعَ أَصْلًا فَلَمَّا كَانَ نَفْعُ الصَّنَمِ بَعِيدًا، عَلَى مَعْنَى: أَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ أَصْلًا قِيلَ: ضَرُّهُ أَقْرَبُ، لِأَنَّهُ كَائِنٌ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ ﴿لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ﴾ مَا وَجْهُ هَذِهِ اللَّامِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ صِلَةٌ، مَجَازُهَا: يَدْعُو مَنْ ضُرُّهُ أَقْرَبُ (١) وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقِيلَ: "لَمَنْ ضَرُّهُ" أَيْ إِلَى الَّذِي ضَرُّهُ أَقْرَبُ مَنْ نَفْعِهِ. وَقِيلَ: "يَدْعُو" بِمَعْنَى يَقُولُ: وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أَيْ يَقُولُ: لِمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ هُوَ إِلَهٌ.