وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ قَيْسٌ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ: ﴿هَذَانَ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ، وَعُبَيْدَةُ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ (١).
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ خَرَجَ -يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ -عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَدَعَا إِلَى الْمُبَارَزَةِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ: عَوْذٌ وَمُعَوِّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ وَأُمُّهُمَا عَفْرَاءُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا حِينَ انْتَسَبُوا: أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِمْ: يَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ وَيَا حَمْزَةُ بْنَ عَبْدِ الْمَطْلَبِ وَيَا عَلِيُّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا دَنَوْا قَالُوا مَنْ أَنْتُمْ؟ فَذَكَرُوا وَقَالُوا: نَعمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَكَانَ أَسَنَّ الْقَوْمِ عُتْبَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ، وَبَارَزَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، فَأَمَّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ أَنْ قَتْلَ شَيْبَةَ، وَعَلِيٌّ الْوَلِيدَ، وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَانِ كِلَاهُمَا [أَثْبَتَ] (٢) صَاحِبَهُ، فَكَرَّ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفَّفَا عَلَيْهِ وَاحْتَمَلَا عُبَيْدَةَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَقَدْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ وَمُخُّهَا يَسِيلُ، فَلَمَّا أَتَوْا بِعُبَيْدَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَسْتُ شَهِيدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "بَلَى"، فَقَالَ عُبَيْدَةُ: لَوْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيًّا لَعَلِمَ أَنَّا أَحَقُّ بِمَا قَالَ مِنْهُ (٣) حَيْثُ يَقُولُ:

وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ وَنُذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ وَأَقْدَمُ مِنْكُمْ كِتَابًا، وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِاللَّهِ آمَنَّا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَبِيِّكُمْ وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ، وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ نَبِيَّنَا وَكِتَابَنَا وَكَفَرْتُمْ بِهِ حَسَدًا، فَهَذِهِ خُصُومَتُهُمْ فِي رَبِّهِمْ (٤).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْكَلْبِيُّ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ كُلُّهُمْ مِنْ أَيِّ مِلَّةٍ كَانُوا (٥).
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَعَلَ الْأَدْيَانَ سِتَّةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ (الْمَائِدَةُ: ٦٩) الْآيَةَ، فَجَعَلَ خَمْسَةً لِلنَّارِ وَوَاحِدًا لِلْجَنَّةِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هَذَانَ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ يَنْصَرِفُ
(١) أخرجه البخاري في المغازي، باب قتل أبي جهل: ٧ / ٢٩٦.
(٢) في "ب" أثخن.
(٣) انظر: السيرة النبوية لابن هشام مع الروض الأنف: ٢ / ٦٧ - ٦٨.
(٤) أخرجه الطبري: ١٧ / ١٣٢ عن ابن عباس.
(٥) انظر الطبري: ١٧ / ١٣٢.


الصفحة التالية
Icon