بِدِمَائِهَا قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: "لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا" قَرَأَ يَعْقُوبُ "تَنَالُ وَتَنَالُهُ" بِالتَّاءِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِالْيَاءِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: لَنْ يُرْفَعَ إِلَى اللَّهِ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا، ﴿وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ وَلَكِنْ تُرَفَعُ إِلَيْهِ مِنْكُمُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَالتَّقْوَى، وَالْإِخْلَاصُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾ يَعْنِي: الْبُدْنَ، ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ أَرْشَدَكُمْ لِمَعَالِمِ دِينِهِ وَمَنَاسِكِ حَجِّهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَبْلَانَا وَأَوْلَانَا، ﴿وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُوَحِّدِينَ.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) ﴾
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ: "يَدْفَعُ"، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "يُدَافِعُ" بِالْأَلِفِ، يُرِيدُ: يَدْفَعُ غَائِلَةَ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَمْنَعُهُمْ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ أَيْ: خَوَّانٍ فِي أَمَانَةِ اللَّهِ كَفُورٍ لِنِعْمَتِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَانُوا اللَّهَ فَجَعَلُوا مَعَهُ شَرِيكًا وَكَفَرُوا نِعَمَهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ تَقَرَّبَ إِلَى الْأَصْنَامِ بِذَبِيحَتِهِ وذكر عليها اسم غَيْرَ اللَّهِ فَهُوَ خَوَّانٌ كَفُورٌ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ ٢٧/ب قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَعَاصِمٌ: "أُذِنَ" بِضَمِّ الْأَلِفِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، أَيْ: أَذِنَ اللَّهُ، "لِلَّذِينِ يُقَاتِلُونَ"، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ "يُقَاتَلُونَ" بِفَتْحِ التَّاءِ يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ التَّاءِ يَعْنِي الَّذِينَ أُذِنَ لَهُمْ بِالْجِهَادِ "يُقَاتِلُونَ" الْمُشْرِكِينَ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ يُؤْذُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَزَالُونَ مَحْزُونِينَ مِنْ بَيْنِ مَضْرُوبٍ وَمَشْجُوجٍ، وَيَشْكُونَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ لَهُمُ: اصْبِرُوا فإني لم أومر بِالْقِتَالِ، حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ (١) وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ أَذِنَ اللَّهُ فِيهَا بِالْقِتَالِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ خَرَجُوا مُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانُوا