﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا﴾ بِأَنْ لَا ﴿تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾ رَبًّا وَكَفِيلًا.
قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو "لَا يَتَّخِذُوا" بِالْيَاءِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْهُمْ وَالْآخَرُونَ: بِالتَّاءِ يَعْنِي: قُلْنَا لَهُمْ لَا تَتَّخِذُوا. ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا نِدَاءٌ يَعْنِي: يَا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا، ﴿مَعَ نُوحٍ﴾ فِي السَّفِينَةِ فَأَنْجَيْنَاهُمْ مِنَ الطُّوفَانِ، ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ كَانَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا أَوْ شَرِبَ شَرَابًا أَوْ لَبِسَ ثَوْبًا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَسُمِّيَ عَبْدًا شَكُورًا (١) أَيْ كَثِيرَ الشُّكْرِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ﴾ الْآيَاتِ.
رَوَى سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٢) "إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا اعْتَدَوْا وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَلِكَ فَارِسٍ
(٢) أخرجه الطبري، انظر: التفسير: ١٥ / ٢٢-٤٣، تاريخ الطبري: ١ / ٥٣٢-٥٥٧، الدر المنثور: ٥ / ٢٤٣-٢٤٤. وهذه الروايات الكثيرة التي ساقها المصنف رحمه الله في هؤلاء المسلطين على بني إسرائيل، من الإسرائيليات والموضوعات، وفيها من العجائب والغرائب والمبالغات ما لا يصدق، وفيها ما يحتمل الصدق أيضا، وقد نقل ابن جرير كثيرا منها عن ابن إسحاق، وواضح أن ابن إسحاق يذكر صراحة اسم أهل الكتاب، وأنهم يقولون كذا... أو عندهم كذا... ، ونحن في غنية عن هذه الروايات جميعها. ونضع هنا كلمة قيمة للحافظ ابن كثير-رحمه الله- تعقيبا على هذه الروايات، قال: "وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلطين عليهم: من هم؟ فعن ابن عباس وقتادة،: أنه "جالوت" وجنوده.. وعن سعيد بن جبير: أنه ملك الموصل "سنجاريب" وجنوده. وعنه أيضا: أنه "بختنصر" ملك بابل. وقد ذكر ابن أبي حاتم له قصة عجيبة في كيفية ترقيه من حال إلى حال إلى أن ملك البلاد... ". ثم قال ابن كثير: "وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثا أسنده عن حذيفة مرفوعا مطولا -وهو الحديث الذي ساقه البغوي هنا- وهو حديث موضوع لا محالة، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث. والعجب كل العجب، كيف راج عليه مع جلالة قدره وإمامته! وقد صرح شيخنا الحافظ العلامة أبو الحجاج المزي -رحمه الله- بأنه موضوع مكذوب، وكتب ذلك على حاشية الكتاب". ثم قال مشيرا إلى سائر الروايات الأخرى: "وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية، ولم أر تطويل الكتاب بذكرها؛ لأن منها ما هو موضوع، من وضع بعض زنادقتهم، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا، ونحن في غنية عنها، ولله الحمد. وفيما قص الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم. وقد أخبر الله عنهم: أنهم لما طغوا وبغوا سلط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم، وأذلهم وقهرهم جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء. وقد روى ابن جرير بسنده عن سعيد بن المسيب يقول: ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم، ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلي على كبا، فسألهم ما هذا الدم.. فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم فسكن، وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب، وهذا هو المشهور، وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم حتى إنه لم يبق من يحفظ التوراة، وأخذ معه منهم أسرى من أبناء الأنبياء وغيرهم. وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها، ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه لجاز كتابته وروايته، والله أعلم". وانظر أيضا: الإسرائيليات والموضوعات للشيخ محمد أبو شهبة ص (٣٢٧-٣٣٤).