﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧) ﴾
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠) ﴾
قَوْلُهُ: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ﴾ أَيِ: الْمُكَذِّبَةِ ﴿مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ يُخَوِّفُ كُفَّارَ مَكَّةَ ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: الْقَرْنُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ قَرْنٍ وَكَانَ فِي آخِرِهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ.
وَقِيلَ: مِائَةُ سَنَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: "سَيَعِيشُ هَذَا الْغُلَامُ قَرْنًا" (١) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ فَمَا زِلْنَا نَعُدُّ لَهُ حَتَّى تَمَّ لَهُ مِائَةُ سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: ثَمَانُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً. ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾ يَعْنِي الدُّنْيَا أَيِ: الدَّارَ الْعَاجِلَةَ، ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ﴾ مِنَ الْبَسْطِ وَالتَّقْتِيرِ ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾ أَنْ نَفْعَلَ بِهِ ذَلِكَ أَوْ إِهْلَاكَهُ ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ﴾ فِي الْآخِرَةِ ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا﴾ يَدْخُلُ نَارَهَا ﴿مَذْمُومًا مَدْحُورًا﴾ مَطْرُودًا مُبْعَدًا. ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ عَمِلَ عَمَلَهَا، ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ مَقْبُولًا. ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ﴾ أَيْ: نُمِدُّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، ﴿مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ﴾ أَيْ: يَرْزُقُهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ يَخْتَلِفُ بِهِمَا الْحَالُ فِي الْمَآلِ ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ﴾ رِزْقُ رَبِّكَ ﴿مَحْظُورًا﴾ مَمْنُوعًا عَنْ عِبَادِهِ فَالْمُرَادُ مِنَ الْعَطَاءِ: الْعَطَاءُ فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا فَلَا حَظَّ لِلْكُفَّارِ فِي الْآخِرَةِ.

(١) أخرجه ابن جرير: ١٥ / ٥٨، وذكره البخاري في التاريخ الصغير ص (٣٩) وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة كما في التهذيب: ٥ / ١٣٩.


الصفحة التالية
Icon