وَقَوْلُهُ: "فَاتَّقَوْنِ" أَيْ فخافون.
﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) ﴾
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٧) ﴾
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أَيِ: ارْتَفَعَ عَمَّا يُشْرِكُونَ. ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ﴾ جَدِلٌ بِالْبَاطِلِ، ﴿مُبِينٌ﴾
نَزَلَتْ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ، وَكَانَ يُنْكِرُ الْبَعْثَ جَاءَ بِعَظْمٍ رَمِيمٍ فَقَالَ: أَتَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يحيي هذا بعدما قَدْ رَمَّ؟ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ" (يَس-٧٧)، نَزَلَتْ فِيهِ أَيْضًا (١).
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ، وَفِيهَا بَيَانُ الْقُدْرَةِ وَكَشْفُ قَبِيحِ مَا فَعَلُوهُ، مِنْ جَحْدِ نِعَمِ اللَّهِ مَعَ ظُهُورِهَا عَلَيْهِمْ (٢). قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا﴾ يَعْنِي الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ يَعْنِي: مِنْ أَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَصْوَافِهَا مَلَابِسَ وَلُحُفًا تَسْتَدْفِئُونَ بِهَا، ﴿وَمَنَافِعُ﴾ بِالنَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِهَا، ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ يَعْنِي لُحُومَهَا. ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ﴾ زِينَةٌ، ﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾ أَيْ: حِينَ تَرُدُّونَهَا بِالْعَشِيِّ مِنْ مَرَاعِيهَا إِلَى مَبَارِكِهَا الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا، ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ أَيْ: تُخْرِجُونَهَا بِالْغَدَاةِ مِنْ مَرَاحِهَا إِلَى مَسَارِحِهَا، وَقَدَّمَ الرَّوَاحَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُؤْخَذُ مِنْهَا بَعْدَ الرَّوَاحِ، وَمَالِكُهَا يَكُونُ أَعْجَبَ بِهَا إِذَا رَاحَتْ. ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ أَحْمَالَكُمْ، ﴿إِلَى بَلَدٍ﴾ آخَرَ غَيْرِ بَلَدِكُمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ: الْبَلَدُ مَكَّةُ، ﴿لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ أَيْ: بِالْمَشَقَّةِ وَالْجُهْدِ. وَالشِّقُّ: النِّصْفُ أَيْضًا أَيْ: لَمْ تَكُونُوا بَالِغَيْهِ

(١) أسباب النزول للواحدي ص (٣٢٢)، القرطبي: ١٠ / ٦٧، زاد المسير: ٤ / ٤٢٨.
(٢) وهذا ما رجحه الطبري حيث قال: " عنى بالإنسان: جميع الناس، أخرج بلفظ الواحد، وهو في معنى الجميع"، وإليه مال ابن عطية في تفسيره. ويدخل سبب النزول المذكور في معنى الآية وتبقى هي أعم. انظر: الطبري: ١٤ / ٧٨، المحرر الوجيز: ٨ / ٣٧٠.


الصفحة التالية
Icon