وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ إِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقَاتِلَ الْمُعْتَدِيَ يَقُولُ: لَا يَتَعَدَّى بِالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ مَنْصُورٌ مِنْ قِبَلِي عَلَيْهِ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْهُ.
﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦) ﴾
﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾ بِالْإِتْيَانِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعَهْدِ مَا يَلْتَزِمُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ.
﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ مَطْلُوبًا وَقِيلَ: الْعَهْدُ يُسْأَلُ عَنْ صَاحِبِ الْعَهْدِ فَيُقَالُ: فِيمَا نُقِضْتَ كَالْمَؤُودَةِ تُسْأَلُ فِيمَ قُتِلَتْ؟ ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ " بِالْقِسْطَاسِ " بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهِ وَهُمَا لُغَتَانِ وَهُوَ الْمِيزَانُ صَغُرَ أَوْ كَبُرَ أَيْ: بِمِيزَانِ الْعَدْلِ وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْقَبَّانُ قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ رُومِيٌّ وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ عَرَبِيٌّ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ أَيْ: زِنُوا بِالْعَدْلِ ﴿الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ أَيْ: عَاقِبَةً. ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: لَا تَقُلْ: رَأَيْتُ وَلَمْ تَرَهُ وَسَمِعْتُ وَلَمْ تَسْمَعْهُ وَعَلِمْتُ وَلَمْ تَعْلَمْهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَرْمِ أَحَدًا بِمَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: لَا تُتْبِعْهُ بِالْحَدْسِ وَالظَّنِّ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ اتِّبَاعُ الْأَثَرِ يُقَالُ: قَفَوْتُ فُلَانًا أَقْفُوهُ وَقَفَيْتُهُ وَأَقْفَيْتُهُ إِذَا اتَّبَعْتُ أَثَرَهُ وَبِهِ سُمِّيَتِ الْقَافِيَةُ لِتَتَبُّعِهِمُ الْآثَارَ.
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَفَا كَأَنَّهُ يَقْفُو الْأُمُورَ أَيْ: يَكُونُ فِي إِقْفَائِهَا يَتْبَعُهَا وَيَتَعَرَّفُهَا (١).
وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: لَا تَتَكَلَّمْ [أَيُّهَا الْإِنْسَانُ] (٢) بِالْحَدْسِ وَالظَّنِّ.
﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ يُسْأَلُ الْمَرْءُ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَفُؤَادِهِ.

(١) انظر: القرطين لابن مطرف الكناني فقد تصرف المصنف بعبارة ابن قتيبة: ١ / ٢٥٦.
(٢) ساقط من "أ".


الصفحة التالية
Icon