﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (٤٠) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤١) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (٤٢) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ﴾ أَيِ: اخْتَارَكُمْ فَجَعَلَ لَكُمُ الصَّفْوَةَ وَلِنَفْسِهِ مَا لَيْسَ بِصَفْوَةٍ يَعْنِي: اخْتَارَكُمْ ﴿بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا﴾ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ ﴿إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾ يُخَاطِبُ مُشْرِكِي مَكَّةَ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ﴾ يَعْنِي: [مَا ذَكَرَ مِنَ] (١) الْعِبَرِ وَالْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالْحُجَجِ وَالْإِعْلَامِ وَالتَّشْدِيدِ لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّكْرِيرِ ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ أَيْ: لِيَتَذَكَّرُوا وَيَتَّعِظُوا وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِإِسْكَانِ الذَّالِ وَضَمِّ الْكَافِ وَكَذَلِكَ فِي الْفُرْقَانِ. ﴿وَمَا يَزِيدُهُمْ﴾ تَصْرِيفُنَا وَتَذْكِيرُنَا ﴿إِلَّا نُفُورًا﴾ ذَهَابًا وَتَبَاعُدًا عَنِ الْحَقِّ. ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ ﴿لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ﴾ قَرَأَ حَفْصٌ وَابْنُ كَثِيرٍ " يَقُولُونَ " بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ ﴿إِذًا لَابْتَغَوْا﴾ لَطَلَبُوا يَعْنِي الْآلِهَةَ ﴿إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ بِالْمُبَالَغَةِ وَالْقَهْرِ لِيُزِيلُوا مُلْكَهُ كَفِعْلِ مُلُوكِ الدُّنْيَا بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَطَلَبُوا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ.
قَالَ قَتَادَةُ: لَعَرَفُوا اللَّهَ وَفَضْلَهُ وَابْتَغَوْا مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " تَقُولُونَ " بِالتَّاءِ وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ ﴿عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ: " تُسَبِّحُ " بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ لِلْحَائِلِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّأْنِيثِ.