إِذَا قُلْتَ لَهُمْ ذَلِكَ مُسْتَهْزِئِينَ بِهَا ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ﴾ أَيِ: الْبَعْثُ وَالْقِيَامَةُ ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ أَيْ: هُوَ قَرِيبٌ لِأَنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا" (الْأَحْزَابِ-٦٣).
﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (٥٢) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (٥٤) ﴾
﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾ مِنْ قُبُورِكُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِأَمْرِهِ وَقَالَ قَتَادَةُ: بِطَاعَتِهِ وَقِيلَ: مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَبَاعِثُهُمْ وَيَحْمَدُونَهُ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْحَمْدُ وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ حَامِدِينَ. ﴿وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْقُبُورِ ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ مَكَثَ أُلُوفًا مِنَ السِّنِينَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْقَبْرِ عَدَّ ذَلِكَ قَلِيلًا فِي مُدَّةِ الْقِيَامَةِ وَالْخُلُودِ قَالَ قَتَادَةُ: يَسْتَحْقِرُونَ مُدَّةَ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ الْقِيَامَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَ الْمُسْلِمِينَ فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي﴾ الْمُؤْمِنِينَ ﴿يَقُولُوا﴾ لِلْكَافِرِينَ ﴿الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ولا يكافؤوهم بِسَفَهِهِمْ. قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ لَهُ: يَهْدِيكَ اللَّهُ وَكَانَ هَذَا قَبْلَ الْإِذْنِ فِي الْجِهَادِ وَالْقِتَالِ (١).
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ شَتَمَهُ بَعْضُ الْكُفَّارِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالْعَفْوِ (٢).
وَقِيلَ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَقُولُوا وَيَفْعَلُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَيِ: الْخَلَّةُ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
وَقِيلَ: "الْأَحْسَنُ" كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ أَيْ: يُفْسِدُ وَيُلْقِي الْعَدَاوَةَ بَيْنَهُمْ ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ ظَاهِرَ الْعَدَاوَةِ. ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ﴾ يُوَفِّقْكُمْ فَتُؤْمِنُوا ﴿أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ يُمِيتُكُمْ عَلَى الشِّرْكِ فَتُعَذَّبُوا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ.

(١) إشارة إلى أنها نسخت بآية القتال أو السيف، وقد سبق في أكثر من موضع إلى أن بعض العلماء أسرفوا في نسخ كثير من الآيات بآية السيف، والحق أنه لا نسخ في هذا كله.
(٢) انظر: أسباب النزول للواحدي ص (٣٣٣).


الصفحة التالية
Icon