بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ الْمَنَابِرُ (١). وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَلَاثَمِائَةِ كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ يَجْلِسُ عَلَيْهَا الْأَشْرَافُ عَلَيْهِمُ الْأَقْبِيَةُ مِنَ الدِّيبَاجِ مَخُوصَةٌ بِالذَّهَبِ.
﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) ﴾

(١) معاني القرآن الكريم للنحاس: ٥ / ٨٢، الدر المنثور: ٦ / ٢٩٨.

﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) ﴾
﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا وَصَفْنَا، ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا﴾ بِهَلَاكِهِمْ، ﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إلى مصر بعدما أَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَأَعْطَاهُمْ جَمِيعَ مَا كَانَ لِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْمَسَاكِنِ. ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾ أَيْ: لَحِقُوهُمْ فِي وَقْتِ إِشْرَاقِ الشَّمْسِ، وَهُوَ إِضَاءَتُهَا، أَيْ: أَدْرَكَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ مُوسَى وَأَصْحَابَهُ وَقْتَ شُرُوقِ الشَّمْسِ. ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾ أَيْ: تَقَابَلَا بِحَيْثُ يَرَى كُلُّ فَرِيقٍ صَاحِبَهُ، وَكَسَرَ حَمْزَةُ الرَّاءَ مِنْ "تَرَاءَى" وَفَتَحَهَا الْآخَرُونَ. ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ أَيْ: سَيُدْرِكُنَا قَوْمُ فِرْعَوْنَ وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ. ﴿قَالَ﴾ مُوسَى ثِقَةً بِوَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُ: ﴿كَلًّا﴾ لَنْ يُدْرِكُونَا، ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ يَدُلُّنِي عَلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ. ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ أَيْ: فَضَرَبَهُ "فَانْفَلَقَ" فَانْشَقَّ، ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ﴾ قِطْعَةٌ مِنَ الْمَاءِ، ﴿كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ كَالْجَبَلِ الضَّخْمِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ (١) لَمَّا انْتَهَى مُوسَى إِلَى الْبَحْرِ هَاجَتِ الرِّيحُ، وَالْبَحْرُ يَرْمِي بِمَوْجٍ مِثْلِ الْجِبَالِ، فَقَالَ يُوشَعُ: يَا مُكَلِّمَ اللَّهِ أَيْنَ أُمِرْتَ فَقَدْ غَشِيَنَا فِرْعَوْنُ وَالْبَحْرُ أَمَامَنَا؟ قَالَ مُوسَى: هَاهُنَا، فَخَاضَ يُوشَعُ الْمَاءَ وَجَازَ الْبَحْرَ، مَا يُوَارِي حَافِرَ دَابَّتِهِ الْمَاءُ. وَقَالَ الَّذِي يَكْتُمُ إِيمَانَهُ: يَا مُكَلِّمَ اللَّهِ أَيْنَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: هَاهُنَا، فَكَبَحَ فَرَسَهُ بِلِجَامِهِ حَتَّى طَارَ الزَّبَدُ مِنْ شِدْقَيْهِ، ثُمَّ أُقْحَمَهُ الْبَحْرُ، فَارْتَسَبَ فِي الْمَاءِ، وَذَهَبَ الْقَوْمُ يَصْنَعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا، فَجَعَلَ مُوسَى لَا يَدْرِي كَيْفَ يَصْنَعُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ، فَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ، فَإِذَا الرَّجُلُ وَاقِفٌ عَلَى فَرَسِهِ لَمْ يَبْتَلَّ سَرْجُهُ وَلَا لِبْدُهُ.
(١) أخرجه الطبري: ١٩ / ٨٠.


الصفحة التالية
Icon