﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) ﴾
﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ مَعْنَاهُ: إِنَّهَا لَا تَسْمَعُ قَوْلًا وَلَا تَجْلِبُ نَفْعًا، وَلَا تَدْفَعُ ضَرًّا، لَكِنِ اقْتَدَيْنَا بِآبَائِنَا. فِيهِ إِبْطَالُ التَّقْلِيدِ فِي الدِّينِ. ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ﴾ الْأَوَّلُونَ. ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي﴾ أَيْ: أَعْدَاءٌ لِي، وَوَحَّدَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ لَكُمْ عَدُوٌّ لِي. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ وَصَفَ الْأَصْنَامَ بِالْعَدَاوَةِ وَهِيَ جَمَادَاتٌ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي لَوْ عَبَدْتُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (١) كَمَا قَالَ تَعَالَى: "سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا" (مَرْيَمَ-٨٢). وَقَالَ الْفَرَّاءُ (٢) هُوَ مِنَ الْمَقْلُوبِ، أَرَادَ: فَإِنِّي عَدُوٌّ لَهُمْ، لِأَنَّ مَنْ عَادَيْتَهُ فَقَدْ عَادَاكَ. وَقِيلَ: "فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي" عَلَى مَعْنَى إِنِّي لَا أَتَوَلَّاهُمْ وَلَا أَطْلُبُ مِنْ جِهَتِهِمْ نَفْعًا، كَمَا لَا يُتَوَلَّى الْعَدُوُّ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْ جِهَتِهِ النَّفْعُ.
قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، قِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي لَكِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَلِيِّي (٣). وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ مَعَ اللَّهِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كُلُّ مَنْ تَعْبُدُونَ أَعْدَائِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٤). وَقِيلَ: إِنَّهُمْ غَيْرُ مَعْبُودٍ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَإِنِّي أَعْبُدُهُ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: مَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ عَبَدَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ وَصَفَ مَعْبُودَهُ فَقَالَ: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ أَيْ: يُرْشِدُنِي إِلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ. ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾ أي: يرزقني ويغذني بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَهُوَ رَازِقِي وَمِنْ عِنْدِهِ رِزْقِي.
(٢) معاني القرآن للفراء: ٢ / ٢٨١، ورده أبو حيان في البحر: ٧ / ٢٤.
(٣) وهو قول أكثر النحويين: انظر: البحر المحيط: ٧ / ٢٤، معاني القرآن للنحاس: ٥ / ٨٦، زاد المسير: ٦ / ١٢٨.
(٤) قاله ابن زيد، زاد المسير: ٦ / ١٢٨.