﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (٩٦) ﴾
﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾ وَقَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أنه عدو الله، كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ. ﴿وَلَا تُخْزِنِي﴾ لَا تَفْضَحْنِي، ﴿يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ أَيْ: خَالِصٌ مِنَ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ (١) فَأَمَّا الذُّنُوبُ فَلَيْسَ يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الْقَلْبُ السَّلِيمُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّ قَلْبَ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ مَرِيضٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ" (الْبَقَرَةِ-١٠)، قَالَ ابْنُ عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ: هُوَ الْقَلْبُ الْخَالِي مِنَ الْبِدْعَةِ الْمُطْمَئِنُّ عَلَى السُّنَّةِ (٢). ﴿وَأُزْلِفَتِ﴾ قَرَّبَتْ ﴿الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ﴿وَبُرِّزَتِ﴾ أَظْهَرَتْ، ﴿الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ﴾ لِلْكَافِرِينَ. ﴿وَقِيلَ لَهُمْ﴾ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾ ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ﴾ يمنعونكم ٥١/أمِنَ الْعَذَابِ، ﴿أَوْ يَنْتَصِرُونَ﴾ لِأَنْفُسِهِمْ. ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جُمِعُوا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: دُهْوِرُوا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: قُذِفُوا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: طُرِحَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أُلْقُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ. ﴿هُمْ وَالْغَاوُونَ﴾ يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ، قَالَ قَتَادَةُ، وَمُقَاتِلٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَفَرَةُ الْجِنِّ. ﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾ وَهُمْ أَتْبَاعُهُ وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. وَيُقَالُ: ذُرِّيَّتُهُ. ﴿قَالُوا﴾ أَيْ: قَالَ الْغَاوُونَ لِلشَّيَاطِينِ وَالْمَعْبُودِينَ، ﴿وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾ مَعَ الْمَعْبُودِينَ وَيُجَادِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
(٢) نقل ذلك كله ابن كثير في تفسيره: ٣ / ٣٤١. وانظر: زاد المسير: ٦ / ١٣٠.