﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) ﴾
﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ وَقُرِئَ: "فَرِهِينَ" قِيلَ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ (١). وَقِيلَ: فارهين أي: حادقين بِنَحْتِهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ فَرِهَ الرَّجُلُ فَرَاهَةً فَهُوَ فَارِهٌ، وَمَنْ قَرَأَ "فَرِهِينَ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَشِرِينَ بَطِرِينَ (٢). وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَاعِمِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَرِهِينَ. قَالَ قَتَادَةُ: مُعْجَبِينَ بِصَنِيعِكُمْ، قَالَ السُّدِّيُّ: مُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَرِحِينَ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ فَرِحِينِ. وَالْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ الْهَاءِ وَالْحَاءِ مِثْلَ: مَدَحْتُهُ وَمَدَهْتُهُ. قَالَ الضَّحَّاكُ: كَيِّسِينَ (٣). ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمُ التِّسْعَةُ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ. ﴿الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ بِالْمَعَاصِي، ﴿وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ لَا يُطِيعُونَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ. ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: مِنَ الْمَسْحُورِينَ الْمَخْدُوعِينَ، أَيْ: مِمَّنْ سُحِرَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ: مِنَ الْمَخْلُوقِينَ الْمُعَلَّلِينَ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، يُقَالُ: سَحَرَهُ، أَيْ: عَلَّلَهُ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، يُرِيدُ: إِنَّكَ تَأْكُلُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَلَسْتَ بَمَلَكٍ، بَلْ: ﴿مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ﴾ عَلَى صِحَّةِ مَا تَقُولُ، ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْنَا. ﴿قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ﴾ حَظٌّ وَنَصِيبٌ مِنَ الْمَاءِ، ﴿وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾

(١) ذهب إليه أبو عبيدة في "مجاز القرآن": ٢ / ٩٨.
(٢) قال أبو جعفر النحاس في "معاني القرآن": (٥ / ٩٧) :"وهذا أعرفها في اللغة، وهو قول أبي عمرو، وأبي عبيدة، فكأن الهاء مبدلة من حاء، لأنهما من حروف الحلق".
(٣) قال الطبري بعد أن عرض الأقوال في تفسير القراءتين: (١٩ / ١٠١) "والصواب أنهما قراءتان معروفتان، مستفيضة القراءة بكل واحدة منهما، في علماء القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. ومعنى قراءة من قرأ (فارهين) : حاذقين بنحتها، متخيرين لمواضع نحتها، كيسين، من الفراهة. ومعنى قراءة من قرأ (فارهين) : مرحين أشرين، وقد يجوز أن يكون معنى: فاره وفره، واحدا..".


الصفحة التالية
Icon