﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) ﴾
﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ﴾ ٥٤/ب نُبُوَّتَهُ وَعِلْمَهُ وَمُلْكَهُ دُونَ سَائِرِ أَوْلَادِهِ (١) وَكَانَ لِدَاوُدَ تِسْعَةَ عَشَرَ ابْنًا، وَأُعْطِيَ سُلَيْمَانُ مَا أُعْطِيَ دَاوُدُ مِنَ الْمُلْكِ، وَزِيدَ لَهُ تَسْخِيرُ الرِّيحِ وَتَسْخِيرُ الشَّيَاطِينِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ سُلَيْمَانُ أَعْظَمَ مُلْكًا مِنْ دَاوُدَ وَأَقْضَى مِنْهُ، وَكَانَ دَاوُدُ أَشَدَّ تَعَبُّدًا مِنْ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ شَاكِرًا لِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى.
﴿وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ سَمَّى صَوْتَ الطَّيْرِ مَنْطِقًا لِحُصُولِ الْفَهْمِ مِنْهُ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ. رُوِيَ عَنْ كَعْبٍ قَالَ (٢) صَاحَ وَرَشَانُ عِنْدَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ، وَصَاحَتْ فَاخِتَةٌ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا تَقُولُ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: إِنَّهَا تَقُولُ: لَيْتَ ذَا الْخَلْقَ لَمْ يخلقوا، وصاح طاووس، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ: كَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَصَاحَ هُدْهُدٌ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ، وَصَاحَ صُرَدٌ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ: اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ يَا مُذْنِبِينَ، قَالَ: وَصَاحَتْ طُوطَى، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا تَقُولُ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَإِنَّهَا تَقُولُ: كُلُّ حَيٍّ مَيِّتٌ وَكُلُّ حَدِيدٍ بَالٍ، وَصَاحَ خُطَّافٌ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ: قَدِّمُوا خَيْرًا تَجِدُوهُ، وَهَدَرَتْ حَمَامَةٌ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا تَقُولُ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَإِنَّهَا تَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى مِلْءَ سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، وَصَاحَ قُمْرِيٌّ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، قَالَ: وَالْغُرَابُ يَدْعُو عَلَى الْعَشَّارِ، وَالْحِدَأَةُ تَقُولُ: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا اللَّهُ، وَالْقَطَاةُ تَقُولُ: مَنْ سَكَتَ سَلِمَ، وَالْبَبَّغَاءُ تَقُولُ: وَيْلٌ لِمَنِ الدُّنْيَا هَمُّهُ، وَالضِّفْدَعُ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْقُدُّوسِ، وَالْبَازِي يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ وَبِحَمْدِهِ، وَالضِّفْدَعَةُ تَقُولُ: سُبْحَانَ الْمَذْكُورِ بِكُلِّ لِسَانٍ. وَعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: صَاحَ دُرَّاجٌ عِنْدَ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى.
(٢) هذه الروايات عن كعب وغيره وهذه التفصيلات في كلام الطير مما ذكره المصنف رحمه الله، متلقاة من أهل الكتاب كرواية كعب هذه، ولا يتوقف فهم الآية عليها، وليس فيها نص صحيح مرفوع إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والبحث في هذا مما لا طائل تحته. والله أعلم.