اسْتَعْمَلَكَ فِيهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا مَلِكًا يَعْمَلُ لَهُ فِيهَا مَا أَرَادَ حَتَّى مَاتَ سُلَيْمَانُ، فَلَمَّا أَنْ حَالَ الْحَوْلُ، وَتَبَيَّنَتِ الْجِنُّ مَوْتَ سُلَيْمَانَ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَسَلَكَ تِهَامَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي جَوْفِ الْيَمَنِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ إِنَّ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ قَدْ مَاتَ، فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتَفَرَّقُوا، وَانْقَضَى مُلْكُ ذِي تُبَّعٍ، وَمُلْكُ بِلْقِيسَ مَعَ مُلْكِ سُلَيْمَانَ (١). وَقِيلَ: إِنَّ الْمُلْكَ وَصَلَ إِلَى سُلَيْمَانَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً.

(١) انظر ما سبق نقلا عن الحافظ ابن كثير رحمه الله تعليقا على هذه المرويات.

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ﴾ [أَيْ: أَنِ] (١) ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وَحْدَهُ، ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ﴾ [مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ] (٢) ﴿يَخْتَصِمُونَ﴾ فِي الدِّينِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: وَاخْتِصَامُهُمْ مَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: "قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ"، إِلَى قَوْلِهِ: "يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ المرسلين" (الأعراف-٧٥-٧٧). فـ ﴿قَالَ﴾ لَهُمْ صَالِحٌ، ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ بِالْبَلَاءِ وَالْعُقُوبَةِ، ﴿قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ الْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ، ﴿لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ﴾ بِالتَّوْبَةِ مِنْ كُفْرِكُمْ، ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا﴾ أَيْ: تَشَاءَمْنَا، وَأَصْلُهُ: تَطَيَّرْنَا، ﴿بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾ قِيلَ: إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِتَفَرُّقِ كَلِمَتِهِمْ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقُحِطُوا، فَقَالُوا: أَصَابَنَا هَذَا الضُّرُّ وَالشِّدَّةُ مِنْ شُؤْمِكَ وَشُؤْمِ أَصْحَابِكَ. ﴿قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أَيْ: مَا يُصِيبُكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ بِأَمْرِهِ، وَهُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْكُمْ، سُمِّيَ طَائِرًا لِسُرْعَةِ نُزُولِهِ بِالْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ أَسْرَعُ مِنْ قَضَاءٍ مَحْتُومٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشُّؤْمُ أَتَاكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِكُفْرِكُمْ. وَقِيلَ: طَائِرُكُمْ أَيْ: عَمَلُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، سُمِّي طَائِرًا لِسُرْعَةِ صُعُودِهِ إِلَى السَّمَاءِ. ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُخْتَبَرُونَ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً" (الْأَنْبِيَاءِ-٣٥)، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: تُعَذَّبُونَ.
(١) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٢) ما بين القوسين ساقط من "أ".


الصفحة التالية
Icon