﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (٦٦) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) ﴾
﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو: "أَدْرَكَ" عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ أَيْ: بَلَغَ وَلَحِقَ، كَمَا يُقَالُ: أَدْرَكَهُ عِلْمِي إِذَا لَحِقَهُ وَبَلَغَهُ، يُرِيدُ: مَا جَهِلُوا فِي الدُّنْيَا وَسَقَطَ عِلْمُهُ عَنْهُمْ عَلِمُوهُ فِي الْآخِرَةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: يُدْرِكُ عِلْمَهُمْ، ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ وَيَعْلَمُونَهَا إِذَا عَايَنُوهَا حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ عِلْمُهُمْ. قَالَ مُقَاتِلٌ: بَلْ عَلِمُوا فِي الْآخِرَةِ حِينَ عَايَنُوهَا مَا شَكُّوا وَعَمُوا عَنْهُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾ يَعْنِي: هُمُ الْيَوْمَ فِي شَكٍّ مِنَ السَّاعَةِ، وَقَرَأَ الآخرون: "بل أدراك" مَوْصُولًا مُشَدَّدًا مَعَ أَلْفٍ بَعْدَ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ: تَدَارَكَ وَتَتَابَعَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَتَلَاحَقَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اجْتَمَعَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَنَّهَا كَائِنَةٌ، وَهُمْ فِي شَكٍّ فِي وَقْتِهِمْ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ، مَعْنَاهُ: هَلْ تَدَارَكَ وَتَتَابَعَ عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ؟ أَيْ: لَمْ يَتَتَابَعْ وَضَلَّ وَغَابَ عِلْمُهُمْ بِهِ فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَمْ يُدْرِكُوهُ، لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْهَامِ ضَرْبًا مِنَ الْجَحْدِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ "بَلَى" بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ، "أَدَّارَكَ" بِفَتْحِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لَمْ يُدْرَكْ، وَفِي حَرْفِ أُبَي "أم تدرك عِلْمُهُمْ"، وَالْعَرَبُ تَضَعُ "بَلْ" مَوْضِعَ "أَمْ" وَ"أَمْ" مَوْضِعَ "بَلْ" (١) وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ: أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ إِذَا بُعِثُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسْتَوِي عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَمَا وُعِدُوا فِيهَا مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَإِنْ كَانَتْ عُلُومُهُمْ مُخْتَلِفَةً فِي الدُّنْيَا. وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى أَنَّ مَعْنَى "بَلْ" هَاهُنَا: "لَوْ" وَمَعْنَاهُ: لَوْ أَدْرَكُوا فِي الدُّنْيَا مَا أَدْرَكُوا في الآخرة ٥٩/ألَمْ يَشُكُّوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا فِي شَكٍّ مِنَ السَّاعَةِ. ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ جَمْعُ عم، وهو الأعمى الْقَلْبِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ هُمْ جَهَلَةٌ بِهَا. ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، ﴿أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ﴾ مِنْ قُبُورِنَا أَحْيَاءً، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: "إِذَا" غَيْرَ مُسْتَفْهِمٍ، "أَئِنَّا" بِالِاسْتِفْهَامِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَالْكِسَائِيُّ: "أَإِذَا" بِهَمْزَتَيْنِ، ["أَإِنَّنَا" بِنُونَيْنِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِاسْتِفْهَامِهَا. ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا﴾ أَيْ: هَذَا الْبَعْثَ،] (٢) ﴿نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ: مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ،

(١) انظر في المعاني والقراءات السابقة. الطبري: ٢٠ / ٦-٨.
(٢) ما بين القوسين من "أ".


الصفحة التالية
Icon