أَيْ: يُسْرِعُ فِي مَشْيِهِ، فَأَخَذَ طَرِيقًا قَرِيبًا حَتَّى سَبَقَ إِلَى موسى فأخبره وأنذروه حَتَّى أَخَذَ طَرِيقًا آخَرَ، ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ﴾ يَعْنِي: أَشْرَافَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ يَتَشَاوَرُونَ فِيكَ، ﴿لِيَقْتُلُوكَ﴾ قَالَ الزَّجَّاجُ: يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِقَتْلِكَ، ﴿فَاخْرُجْ﴾ مِنَ الْمَدِينَةِ، ﴿إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ فِي الْأَمْرِ لَكَ بِالْخُرُوجِ.
﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) ﴾
﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) ﴾
﴿فَخَرَجَ مِنْهَا﴾ مُوسَى، ﴿خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ أَيْ: يَنْتَظِرُ الطَّلَبَ، ﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ الْكَافِرِينَ، وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ بَعْثَ فِي طَلَبِهِ حِينَ أُخْبِرَ بِهَرَبِهِ فَقَالَ ارْكَبُوا ثَنَيَاتِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَيْفَ الطَّرِيقُ.
﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ﴾ أَيْ: قَصَدَ نَحْوَهَا مَاضِيًا إِلَيْهَا، يُقَالُ: دَارُهُ تِلْقَاءَ دَارِ فُلَانٍ، إذا كانت محاذيتها، وَأَصْلُهُ مِنَ اللِّقَاءِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْنِي سَلَكَ الطَّرِيقَ الَّذِي تِلْقَاءَ مَدْيَنَ فِيهَا، وَمَدْيَنُ هُوَ مَدْيَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سُمِّيَتِ الْبَلْدَةُ بِاسْمِهِ، وَكَانَ مُوسَى قَدْ خَرَجَ خَائِفًا بِلَا ظَهْرٍ وَلَا حِذَاءٍ وَلَا زَادٍ، وَكَانَتْ مَدْيَنُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ مِنْ مِصْرَ، ﴿قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ أَيْ: قَصْدَ الطَّرِيقِ إِلَى مَدْيَنَ، قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفِ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا قَبْلُ، فَلَّمَا دَعَا جَاءَهُ مَلِكٌ بِيَدِهِ عَنَزَةٌ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَدْيَنَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: خَرَجَ مُوسَى مِنْ مِصْرَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ وَالْبَقْلُ، حَتَّى يَرَى خُضْرَتَهُ فِي بَطْنِهِ، وَمَا وَصَلَ إِلَى مَدْيَنَ حَتَّى وَقْعَ خُفُّ قَدَمَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ أَوَّلُ ابْتِلَاءٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ وَهُوَ بِئْرٌ كَانُوا يَسْقُونَ مِنْهَا مَوَاشِيَهُمْ، ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً﴾ جَمَاعَةً ﴿مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ مَوَاشِيَهُمْ، ﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ﴾ يَعْنِي: سِوَى الْجَمَاعَةِ، ﴿امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ يَعْنِي: تَحْبِسَانِ وَتَمْنَعَانِ أَغْنَامَهُمَا عَنِ الْمَاءِ حَتَّى يَفْرُغَ النَّاسُ وَتَخْلُوَ لَهُمُ الْبِئْرُ، قَالَ الْحَسَنُ: تَكُفَّانِ الْغَنَمَ عَنْ أَنْ تَخْتَلِطَ بِأَغْنَامِ النَّاسِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: تَكُفَّانِ النَّاسَ عَنْ أَغْنَامِهِمَا. وَقِيلَ: تَمْنَعَانِ أَغْنَامَهُمَا