عَنِ الطَّرِيقِ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ، ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ يَعْنِي: قِطْعَةً وَشُعْلَةً مِنَ النَّارِ. وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ، قَرَأَ عَاصِمٌ: "جَذْوَةٍ" بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِضَمِّهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهَا، قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ الْعُودُ الَّذِي قَدِ احْتَرَقَ بَعْضُهُ، وَجَمْعُهَا "جِذَىً" (١) ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ تَسْتَدْفِئُونَ.
﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٣٢) ﴾
﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ﴾ مِنْ جَانِبِ الْوَادِي الَّذِي عَنْ يَمِينِ مُوسَى، ﴿فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ لِمُوسَى، جَعَلَهَا اللَّهُ مُبَارَكَةً لِأَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى هُنَاكَ وَبَعَثَهُ نَبِيًّا. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ الْمُقَدَّسَةَ، ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّجَرَةِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَانَتْ سَمُرَةً خَضْرَاءَ تَبْرُقُ (٢)، وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: كَانَتْ عَوْسَجَةً (٣). قَالَ وَهْبٌ مِنَ الْعُلَّيْقِ (٤)، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهَا الْعُنَّابُ (٥)، ﴿أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾
﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ تَتَحَرَّكُ، ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ وَهِيَ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ سُرْعَةِ حَرَكَتِهَا، ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ هَارِبًا مِنْهَا، ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ لَمْ يَرْجِعْ، فَنُودِيَ: ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾
﴿اسْلُكْ﴾ أَدْخِلَ ﴿يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ بَرَصٍ، فَخَرَجَتْ وَلَهَا شُعَاعٌ كَضَوْءِ الشَّمْسِ، ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَالشَّامِ: بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَيَفْتَحُ الرَّاءَ حَفْصٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهِمَا، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ بِمَعْنَى الْخَوْفِ
(٢) في الطبري: شجرة سمراء خضراء ترف. والسمرة: شجرة من العضاه، جيد الخشب.
(٣) شجرة من فصيلة الباذنجيات، شائكة الأغصان.
(٤) نبات شائك معرش من فصيلة الورديات، ثمره أحمر وربما كان أصفر، وله نوى صلب مستدير.
(٥) وكأن تحديد جنس الشجرة مأخوذ من أهل الكتاب. انظر: الطبري: ٢٠ / ٧١، ابن كثير: ٣ / ٣٨٩.