حَتَّى اجْتَمَعَ خَمْسُونَ أَلْفَ بَنَّاءٍ سِوَى الْأَتْبَاعِ وَالْأُجَرَاءِ، وَمَنْ يَطْبُخُ الْآجُرَّ وَالْجِصَّ وَيَنْجُرُ الْخَشَبَ وَيَضْرِبُ الْمَسَامِيرَ، فَرَفَعُوهُ وَشَيَّدُوهُ حَتَّى ارْتَفَعَ ارْتِفَاعًا لَمْ يَبْلُغْهُ بُنْيَانُ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَفْتِنَهُمْ فِيهِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْهُ ارْتَقَى فِرْعَوْنُ فَوْقَهُ وَأَمَرَ بِنَشَّابَةٍ فَرَمَى بِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ فَرُدَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ مُلَطَّخَةٌ دَمًا، فَقَالَ قَدْ قَتَلْتُ إِلَهَ مُوسَى، وَكَانَ فِرْعَوْنُ يَصْعَدُ عَلَى الْبَرَاذِينِ، فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ جُنَحَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَضَرَبَهُ بِجَنَاحِهِ فَقَطَعَهُ ثَلَاثَ قِطَعٍ فَوَقَعَتْ قِطْعَةٌ مِنْهَا عَلَى عَسْكَرِ فِرْعَوْنَ فَقَتَلَتْ مِنْهُمْ أَلْفَ أَلْفِ رَجُلٍ، وَوَقَعَتْ قِطْعَةٌ فِي الْبَحْرِ وَقِطْعَةٌ فِي الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ عَمِلَ فِيهِ بِشَيْءٍ إِلَّا هَلَكَ (١)، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَأَقِفُ عَلَى حَالِهِ، ﴿وَإِنِّي لِأَظُنُّهُ﴾ يَعْنِي مُوسَى، ﴿مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ فِي زَعْمِهِ أَنَّ لِلْأَرْضِ وَالْخَلْقِ إِلَهًا غَيْرِي، وَأَنَّهُ رَسُولُهُ.
﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) ﴾
﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾ قَرَأَ نَافِعٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: "يَرْجِعُونَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، [وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ] (٢).
﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ﴾ فَأَلْقَيْنَاهُمْ، ﴿فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً﴾ قَادَةً وَرُؤَسَاءَ، ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾ لَا يُمْنَعُونَ مِنَ الْعَذَابِ.
﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ خِزْيًا وَعَذَابًا، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ الْمُبْعَدِينَ (٣) الْمَلْعُونِينَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مِنَ الْمُهْلَكِينَ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مِنَ

(١) ذكره الطبري مختصرا عن السدي: ٢٠ / ٧٨، والقرطبي: ١٣ / ٢٨٩ وقال مشيرا إلى تضعيف هذا القول: "والله أعلم بصحة ذلك".
(٢) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٣) في "أ": المعذبين.


الصفحة التالية
Icon