﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) ﴾
﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بَيِّنًا. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَنْزَلْنَا آيَاتِ الْقُرْآنِ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. قَالَ قَتَادَةُ: وَصَّلَ لَهُمُ الْقَوْلَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ، يَعْنِي كَيْفَ صَنَعَ بِمَنْ مَضَى. قَالَ مُقَاتِلٌ: بَيِّنًا لِكَفَّارِ مَكَّةَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ كَيْفَ عُذِّبُوا (١) بِتَكْذِيبِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَصَّلْنَا لَهُمْ خَبَرَ الدُّنْيَا بِخَبَرِ الْآخِرَةِ (٢) حَتَّى كَأَنَّهُمْ عَايَنُوا الْآخِرَةَ فِي الدُّنْيَا، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ﴾ مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ، ﴿هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ نَزَلَتْ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ؛ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ (٣). وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بَلْ هُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الَّذِينَ قَدِمُوا مِنَ الْحَبَشَةِ وَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٤). [وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرٍ مِنَ الْحَبَشَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (٥)، فَلَمَّا رَأَوْا مَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخَصَاصَةِ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ لَنَا أَمْوَالًا [فَإِنْ أَذِنْتَ لَنَا انْصَرَفْنَا] (٦) وَجِئْنَا بِأَمْوَالِنَا فَوَاسَيْنَا الْمُسْلِمِينَ بِهَا [فَأَذِنَ لَهُمْ، فَانْصَرَفُوا فَأَتَوْا بِأَمْوَالِهِمْ، فَوَاسَوْا بِهَا الْمُسْلِمِينَ] (٧)، فَنَزَلَ فِيهِمْ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (٨). وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: نَزَلَتْ فِي ثَمَانِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَرْبَعُونَ مِنْ نَجْرَانَ، وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَثَمَانِيَةٌ مِنَ الشَّامِ (٩). ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ: ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾

(١) في "أ": كيف عدوا.
(٢) في "ب": خير الدنيا بخير الآخرة.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي. انظر: الدر المنثور: ٦ / ٤٢٦، زاد المسير: ٦ / ٢٢٩، البحر المحيط: ٧ / ١٢٥.
(٤) انظر الدر المنثور: ٢ / ٨٧.
(٥) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٦) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٧) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، انظر: الدر المنثور: ٦ / ٤٢٧. وأخرج الطبراني نحوه مطولا عن ابن عباس رضي الله عنهما بسند فيه من لا يعرف. انظر: أسباب النزول للسيوطي بهامش تفسير الجلالين ص (٧٢١) في أسباب نزول سورة الحديد.
(٩) انظر: زاد المسير ٦ / ٢٢٩، تفسير ابن كثير: ٣ / ٣٩٤-٣٩٥، وراجع فيما سبق: ٢ / ٨٥-٨٧. والله أعلم أي ذلك كان. "وأيا كان الذين نزلت في أمرهم هذه الآيات، فالقرآن يرد المشركين إلى حادث وقع، يعلمونه ولا ينكرونه، كي يقفهم وجها لوجه أمام نموذج من النفوس الخالصة كيف تتلقى هذا القرآن، وتطمئن إليه، وترى فيه الحق، وتعلم مطابقته لما بين أيديها من الكتاب. ولا يصدها عنه صاد من هوى ولا من كبرياء، وتحتمل في سبيل الحق الذي آمنت به ما يصيبها من أذى وتطاول من الجهلاء، وتصبر على الحق في وجه الأهواء ووجه الإيذاء". انظر: في ظلال القرآن: ٥ / ٢٧٠٠-٢٧٠١.


الصفحة التالية
Icon