وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ﴾ قَالَتْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بن سَلُولَ (١)، وَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ هُوَ النَّارُ فِي الْآخِرَةِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ قَالَتْ: ثُمَّ رَكِبْتُ وَأَخَذَ صَفْوَانُ بِالزِّمَامِ فَمَرَرْنَا بِمَلَأٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا مُنْتَبَذِينِ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، رَئِيسُهُمْ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: عَائِشَةُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا نَجَتْ مِنْهُ وَمَا نَجَا مِنْهَا، وَقَالَ: امْرَأَةُ نَبِيِّكُمْ بَاتَتْ مَعَ رَجُلٍ حَتَّى أَصْبَحَتْ ثُمَّ جَاءَ يَقُودُ بِهَا (٢). وَشَرَعَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا حَسَّانُ، وَمِسْطَحٌ، وَحَمْنَةُ، فَهَمَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا كِبْرَهُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُ شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ، وَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ (٣)
فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ، قَالَ مَسْرُوقٌ فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ قَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى (٤)، وَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٥).
وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالَّذِينِ رَمَوْا عَائِشَةَ فَجُلِدُوا الْحَدَّ جَمِيعًا ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ (٦).
﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ﴾ بِإِخْوَانِهِمْ ﴿خَيْرًا﴾ قَالَ الْحَسَنُ: بِأَهْلِ دِينِهِمْ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَلَا تَقْتُلُوا

(١) انظر: البخاري ٨ / ٤٥٠، ٤٥٢، صحيح مسلم: ٤ / ٢١٣١.
(٢) انظر: فتح الباري ٨ / ٤٦١.
(٣) الحصان: العفيفة، والرزان: الرزينة الثابتة التي لا يستخفها الطيش. وتزن: ترمى وتتهم. والريبة: التهمة والشك. وغرثى: جائعة، يريد لا تغتاب النساء، والغوافل: جمع غافلة، وهي التي غفل قلبها عن الشر.
(٤) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله (٣ / ٢٧٣) :"ثم الأكثرون على أن المراد بذلك -الذي تولى كبر الإفك- إنما هو عبد الله بن أبي بن سلول -قبحه الله تعالى ولعنه- وهو الذي تقدم النص عليه في الحديث. وقال ذلك: مجاهد وغير واحد. وقيل: بل المراد به حسان بن ثابت، وهو قول غريب، ولولا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على إيراد ذلك لما كان لإيراده كبير فائدة فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب، وأحسن مآثره أنه كان يذب عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشعره... ".
(٥) أخرجه البخاري في التفسير، باب: "ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم" ٨ / ٤٨٥.
(٦) انظر: فتح الباري: ٨ / ٤٧٩، زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم: ٣ / ٢٦٣-٢٦٤.


الصفحة التالية
Icon