حَيْثُ كُنْتُمْ، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ السَّمِيعُ لِأَقْوَالِكُمْ: لَا نَجِدُ مَا نُنْفِقُ بِالْمَدِينَةِ، الْعَلِيمُ بِمَا فِي قُلُوبِكُمْ. وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ: وَكَأَيْنٍ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا، قَالَ: لَا تَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ. قَالَ سُفْيَانُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يُخَبِّأُ إِلَّا الْإِنْسَانُ وَالْفَأْرَةُ وَالنَّمْلَةُ (١).
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زُرَارَةَ الرَّقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَطُوفِ الْجَرَّاحُ بْنُ مِنْهَالٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بن أبي ٦٩/أرَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (٢) يَلْقُطُ الرُّطَبَ بِيَدِهِ وَيَأْكُلُ، فَقَالَ: كُلْ يَا ابْنَ عُمَرَ، قُلْتُ: لَا أَشْتَهِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَكِنِّي أَشْتَهِيهِ، وَهَذِهِ صُبْحٌ رَابِعَةٌ مُنْذُ لَمْ أُطْعَمْ طَعَامًا وَلَمْ أَجِدْهُ، فَقُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ، اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ لَوْ سَأَلْتُ رُبِّيَ لَأَعْطَانِي مِثْلَ مُلْكِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، وَلَكِنْ أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا فَكَيْفَ بِكَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِذَا عَمَّرْتَ وَبَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ يُخَبِّئُونَ رِزْقَ سَنَةٍ وَيَضْعُفُ الْيَقِينُ، فَنَزَلَتْ (٣) ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ الْآيَةَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ (٤).

(١) انظر هذه الأقوال في: الطبري: ٢١ / ١١، الدر المنثور: ٦ / ٤٧٥.
(٢) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٣) عزاه السيوطي: (٦ / ٤٧٥) لعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر بسند ضعيف. وأخرجه الواحدي في أسباب النزول ص (٣٩٦-٣٩٧). قال الحافظ ابن كثير: (٣ / ٤٢١) :"هذا حديث غريب، وأبو العطوف الجزري ضعيف". وقال القرطبي: (١٣ / ٣٦٠) :"وهذا ضعيف، يضعفه أنه عليه الصلاة والسلام كان يدخر لأهله قوت سنتهم، (اتفق البخاري ومسلم عليه) وكانت الصحابة يفعلون ذلك، وهم القدوة وأهل اليقين والأئمة لمن بعدهم من المتقين المتوكلين". وقال الشوكاني في "فتح القدير" (٤ / ٢١٣) :"وهذا الحديث فيه نكارة شديدة لمخالفته لما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان يعطي نساءه قوت العام كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة. وفي إسناده أبو العطوف الجزري وهو ضعيف".
(٤) أخرجه الترمذي في الزهد، باب ما جاء في معيشة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله: ٧ / ٢٦، وقال: "هذا حديث غريب. وقد روى هذا غير جعفر بن سليمان عن ثابت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا"، وصححه ابن حبان برقم (٢١٣٩) ص (٥٢٥) من موارد الظمآن. والمصنف في شرح السنة: ١٣ / ٢٥٣، وقال المناوي في "فيض القدير" (٥ / ١٨٣) : وسند الحديث جيد. ولا ينافي هذا الحديث ما سبق من أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدخر لعياله قوت سنة، فهو كان لا يدخر لنفسه صلى الله عليه وإنما كان يدخر لغيره كأهله، أو يملكهم ذلك ويقسمه لهم أسوة بغيرهم فيما كان يقسم للمسلمين مما أفاء الله عليه. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon