وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "أَنْفُسَكُمْ"، أَيْ: أَمْثَالَكُمْ مِنَ الْأَحْرَارِ كَقَوْلِهِ: "ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا" (النُّورِ-١٢)، أَيْ: بِأَمْثَالِهِمْ. ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يَنْظُرُونَ إِلَى هَذِهِ الدَّلَائِلِ بِعُقُولِهِمْ.
﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٩) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠) ﴾
﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، ﴿أَهْوَاءَهُمْ﴾ فِي الشِّرْكِ، ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ جَهْلًا بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ [أَيْ: أَضَلَّهُ اللَّهُ] (١) ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ مَانِعِينَ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ أَيْ: أَخْلِصْ دِينَكَ لِلَّهِ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِقَامَةُ الْوَجْهِ: إِقَامَةُ الدِّينِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: سَدِّدْ عَمَلَكَ. وَالْوَجْهُ مَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ، وَدِينُهُ وَعَمَلُهُ مِمَّا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ لِتَسْدِيدِهِ (٢)، ﴿حَنِيفًا﴾ مَائِلًا مُسْتَقِيمًا عَلَيْهِ، ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ﴾ دِينَ اللَّهِ، وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيْ: إِلْزَمْ فِطْرَةَ اللَّهِ، ﴿الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ أَيْ: خَلَقَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ: الدِّينُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ (٣). وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ فِي الْمُؤْمِنِينَ. وَهُمُ الَّذِينَ فَطَرَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يُولَدُ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُونَ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تجدعونها؟، قالوا ٧١/أيَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" (٤).

(١) ساقط من "أ".
(٢) زاد المسير: ٦ / ٣٠٠، ابن كثير: ٣ / ٤٣٣.
(٣) انظر: الطبري ٢١ / ٤٠، ابن كثير: ٣ / ٤٣٣.
(٤) أخرجه البخاري في القدر، باب الله أعلم بما كانوا عاملين: ٧ / ٤٩٣، وروى جزءا منه في الجنائز وفي التفسير: ومسلم في القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة.. برقم (٢٦٥٨) : ٤ / ٢٠٤٨، والمصنف في شرح السنة: ١ / ١٥٤. وانظر: صحيفة همام بن منبه تحقيق د. رفعت فوزي عبد المطلب ص (٢٥٩-٢٦٠).


الصفحة التالية
Icon