﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) ﴾
﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) ﴾
﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ هَكَذَا قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَالْبَصْرَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ (١). وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: ﴿إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ عَلَى الْجَمْعِ، أَرَادَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ: الْمَطَرَ، أَيِ: انْظُرْ إِلَى حُسْنِ تَأْثِيرِهِ فِي الْأَرْضِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَثَرُ رَحْمَةِ اللَّهِ أَيْ: نِعْمَتُهُ وَهُوَ النَّبْتُ، ﴿كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى﴾ يَعْنِي: إِنَّ ذلك الذي يحي الْأَرْضَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى، ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ بَارِدَةً مُضِرَّةً فَأَفْسَدَتِ الزَّرْعَ، ﴿فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا﴾ أَيْ: رَأَوُا النَّبْتَ وَالزَّرْعَ مُصْفَرًّا بَعْدَ الْخُضْرَةِ، ﴿لَظَلُّوا﴾ لَصَارُوا، ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ أَيْ: مِنْ بَعْدِ اصْفِرَارِ الزَّرْعِ، ﴿يَكْفُرُونَ﴾ يَجْحَدُونَ مَا سَلَفَ مِنَ النِّعْمَةِ، يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَفْرَحُونَ عِنْدَ الْخِصْبِ، وَلَوْ أَرْسَلْتُ عَذَابًا عَلَى زَرْعِهِمْ جَحَدُوا سَالِفَ نِعْمَتِي. ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (٢). ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ قُرِئَ بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا، فَالضَّمُّ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَالْفَتْحُ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَمَعْنَى "مِنْ ضَعْفٍ"، أَيْ: مِنْ نُطْفَةٍ، يُرِيدُ مِنْ ذِي ضَعْفٍ، أَيْ: مِنْ مَاءٍ ذِي ضَعْفٍ كَمَا قَالَ
(٢) يقول تعالى: كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الأموات في أجدائها، ولا تبلغ كلامك الصم الذين لا يسمعون، وهم مع ذلك مدبرون عنك، كذلك لا تقدر على هداية العميان عن الحق وردهم عن ضلالتهم، بل ذلك إلى الله، فإنه تعالى بقدرته يسمع الأموات أصوات الأحياء إذا شاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، وليس ذلك لأحد سواه، ولهذا قال تعالى: "إن تسمع من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون" أي: خاضعون مستجيبون مطيعون، فأولئك هم الذين يسمعون الحق ويتبعونه وهذا حال المؤمنين، والأول مثل الكافرين". انظر: تفسير ابن كثير: ٣ / ٤٣٩.