نَزَلَتْ فِي عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهِلٍ هَرَبَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى الْبَحْرِ فَجَاءَهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَئِنْ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْ هَذَا لَأَرْجِعَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَأَضَعَنَّ يَدِيَ فِي يَدِهِ، فَسَكَنَتِ الرِّيحُ، فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ إِلَى مَكَّةَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ (١) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ فِي الْقَوْلِ مُضْمِرٌ لِلْكُفْرِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مُقْتَصِدٌ فِي الْقَوْلِ، أَيْ: مِنَ الْكُفَّارِ، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ أَشَدَّ قَوْلًا وَأَغْلَى فِي الِافْتِرَاءِ مِنْ بَعْضٍ، ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ وَالْخَتْرُ أَسْوَأُ الْغَدْرِ.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤) ﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي﴾ لَا يَقْضِي وَلَا يُغْنِي، ﴿وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ﴾ مُغْنٍ ﴿عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ امْرِئٍ يُهِمُّهُ نَفْسُهُ، ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ يَعْنِي الشَّيْطَانَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ أَنْ يَعْمَلَ الْمَعْصِيَةَ وَيَتَمَنَّى الْمَغْفِرَةَ. ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْوَارِثِ (٢) بْنِ عَمْرِو، بْنِ حَارِثَةَ، بْنِ مُحَارِبِ، ابْنِ حَفْصَةَ، مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ السَّاعَةِ وَوَقْتِهَا وَقَالَ: إِنَّ أَرْضَنَا أَجْدَبَتْ فَمَتَى

(١) قال ابن حجر في الإصابة: ٤ / ٥٣٨-٥٣٩ (وقد أخرج قصة مجيئه موصولة الدارقطني، والحاكم، وابن مردويه، من طريق أسباط بن نصر، عن السدي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، فذكر الحديث، وفيه: وأما عكرمة فركب البحر فأصابهم عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا، فإن آلهتكم لا تغني عنكم هاهنا شيئا. فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجني في البر غيره، اللهم إن لك علي عهدا إن عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا أضع يدي في يده، فلا أجدنه إلا عفوا كريما. فقال: فجاء فأسلم.
(٢) في المخطوطتين (الوارث بن عمرو)، وفي الدر المنثور: ٦ / ٥٣٠ (الوارث من بني مازن بن حفصة)، وفي البحر المحيط: ٧ / ١٩٤ (الحارث بن عمارة المحاربي) وفي تفسير الكشاف: ٣ / ٢١٧ (الحارث بن عمرو بن حارثة بن محارب)، وفي تفسير القرطبي: ١٤ / ٨٣ عن مقاتل (الوارث بن عمرو بن حارثة).


الصفحة التالية
Icon