﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) ﴾
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ رُشْدَهَا وَتَوْفِيقَهَا لِلْإِيمَانِ، ﴿وَلَكِنْ حَقَّ﴾ وَجَبَ، ﴿الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ وَهُوَ قَوْلُهُ لِإِبْلِيسَ: "لَأَمْلَأَنَّ جهنم منك ومن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ" (ص-٨٥). ثُمَّ يُقَالُ لِأَهْلِ النَّارِ -وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا دَخَلُوا النَّارَ قَالَتْ لَهُمُ الْخَزَنَةُ-: ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ أَيْ: تَرَكْتُمُ الْإِيمَانَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، ﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ تَرَكْنَاكُمْ، ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا﴾ وُعِظُوا بِهَا، ﴿خَرُّوا سُجَّدًا﴾ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ سَاجِدِينَ، ﴿وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ قِيلَ: صَلُّوا بِأَمْرِ رَبِّهِمْ. وَقِيلَ: قَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، ﴿وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَنِ الْإِيمَانِ وَالسُّجُودِ لَهُ. ﴿تَتَجَافَى﴾ تَرْتَفِعُ وَتَنْبُو، ﴿جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ جَمْعُ مَضْجَعٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُضْطَجَعُ عَلَيْهِ، يَعْنِي الْفُرُشَ، وَهُمُ الْمُتَهَجِّدُونَ بِاللَّيْلِ، اللَّذَيْنِ يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ قَالَ أَنَسٌ: نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ فَلَا نَرْجِعُ إِلَى رِحَالِنَا حَتَّى نُصَلِّيَ الْعِشَاءَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١).
وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُصَلُّونَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ (٢) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَازِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَقَالَا هِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ (٣).
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَحُفُّ بِالَّذِينِ يُصَلُّونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ.

(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٥٤٦ لابن مردويه، وذكره الواحدي في أسباب النزول ص ٤٠٤.
(٢) أخرجه الطبري: ٢١ / ١٠٠، وانظر الدر المنثور: ٦ / ٥٤٦.
(٣) أخرجه البيهقي: ٣ / ١٩، وقد عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٥٤٦ أيضا لمحمد بن نصر.


الصفحة التالية
Icon