﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [أَيْ: فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ] (١) ﴿فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ إِنْ كَانُوا مُحَرَّرِينَ وَلَيْسُوا بِبَنِيكُمْ، أَيْ: سَمُّوهُمْ بِأَسْمَاءِ إِخْوَانِكُمْ فِي الدِّينِ. وَقِيلَ: "مَوَالِيكُمْ" أَيْ: أَوْلِيَاءُكُمْ فِي الدِّينِ، ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ قَبْلَ النَّهْيِ فَنَسَبْتُمُوهُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، ﴿وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ مِنْ دُعَائِهِمْ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمْ بَعْدَ النَّهْيِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: "فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ" أَنْ تَدْعُوهُ لِغَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ. وَمَحَلُّ "مَا" فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "مَا تَعَمَّدَتْ" خَفْضٌ رَدًّا عَلَى "مَا" الَّتِي فِي قَوْلِهِ "فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ" مَجَازُهُ: وَلَكِنْ فِيمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ.
﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَبَا بَكْرَةَ وَكَانَ قَدْ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ، فَجَاءَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامُّ" (٢).
﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (٦) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ يَعْنِي مِنْ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فِي نُفُوذِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: يَعْنِي إِذَا دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى شَيْءٍ كَانَتْ طَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ طَاعَتِهِمْ أَنْفُسِهِمْ (٣). وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِيمَا قَضَى فِيهِمْ، كَمَا أَنْتَ أَوْلَى بِعَبْدِكَ فِيمَا قَضَيْتَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ أَوْلَى بِهِمْ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْجِهَادِ وَبَذْلِ النَّفْسِ دُونَهُ.
(٢) أخرجه البخاري في المغازي، باب: غزوة الطائف: ٨ / ٤٥، ومسلم في الإيمان، باب: بيان حال إيمان من يرغب عن أبيه وهو يعلم برقم: (٦٣) ١ / ٨٠، والمصنف في شرح السنة: ٩ / ٢٧٢.
(٣) انظر: زاد المسير: ٦ / ٣٥٢.