﴿لَآتَوْهَا﴾ لَأَعْطَوْهَا، وَقَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ لَأَتَوْهَا مَقْصُورًا، أَيْ: لَجَاؤُوهَا وَفَعَلُوهَا وَرَجَعُوا عَنِ الْإِسْلَامِ، ﴿وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا﴾ أَيْ: مَا احْتَبَسُوا عَنِ الْفِتْنَةِ، ﴿إِلَّا يَسِيرًا﴾ وَلَأَسْرَعُوا الْإِجَابَةَ إِلَى الشِّرْكِ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمْ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْفَرَّاءُ: وَمَا أَقَامُوا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ إِعْطَاءِ الْكُفْرِ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَهْلَكُوا (١).
﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (١٥) ﴾
(١) ذكره الفراء في معاني القرآن: ٢ / ٣٣٧.
﴿قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٦) ﴾
﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ: مِنْ قَبْلِ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، ﴿لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ﴾ مِنْ عَدُوِّهِمْ أَيْ: لَا يَنْهَزِمُونَ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: هُمْ بَنُو حَارِثَةَ، هَمُّوا يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ يَفْشَلُوا مَعَ بَنِي سَلَمَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِمْ مَا نَزَلَ عَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ لَا يَعُودُوا لِمِثْلِهَا (١).
وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمْ نَاسٌ كَانُوا قَدْ غَابُوا عَنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ [وَرَأَوْا مَا أَعْطَى اللَّهُ أَهْلَ بَدْرٍ] (٢) مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْفَضِيلَةِ قَالُوا: لَئِنْ أَشْهَدَنَا اللَّهُ قِتَالًا لَنُقَاتِلَنَّ، فَسَاقَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ (٣).
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَقَالُوا: أَشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ، قَالُوا: فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَكُمُ النَّصْرُ فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةُ فِي الْآخِرَةِ، قَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ. فَذَلِكَ عَهْدُهُمْ (٤).
وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِمُرْضِيٍّ، لِأَنَّ الَّذِينَ بَايَعُوا لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ كَانُوا سَبْعِينَ نَفَرًا، لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ شَاكٌّ وَلَا مَنْ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا الْآيَةُ فِي قَوْمٍ عَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ يُقَاتِلُوا وَلَا يَفِرُّوا، فَنَقَضُوا الْعَهْدَ.
﴿وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا﴾ عَنْهُ. ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ، ﴿لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ﴾ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْكُمْ لِأَنَّ مِنْ حَضَرَ أَجَلُهُ مَاتَ أَوْ قُتِلَ، ﴿وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ أَيْ: لَا تُمَتَّعُونَ بَعْدَ الْفِرَارِ إِلَّا مُدَّةَ آجَالِكُمْ وَهِيَ قَلِيلٌ.
(١) أخرجه الطبري: ٢١ / ١٣٧.
(٢) ما بين القوسين ساقط من"أ".
(٣) أخرجه الطبري: ٢١ / ١٣٧، وانظر: زاد المسير: ٦ / ٣٦٣، البحر المحيط: ٧ / ٢١٩.
(٤) ذكره القرطبي: ١٤ / ١٥٠، وانظر: زاد المسير: ٦ / ٣٦٣، البحر المحيط: ٧ / ٢١٩.
(٢) ما بين القوسين ساقط من"أ".
(٣) أخرجه الطبري: ٢١ / ١٣٧، وانظر: زاد المسير: ٦ / ٣٦٣، البحر المحيط: ٧ / ٢١٩.
(٤) ذكره القرطبي: ١٤ / ١٥٠، وانظر: زاد المسير: ٦ / ٣٦٣، البحر المحيط: ٧ / ٢١٩.