الرَّسُولَ وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَتَصْبِرُوا عَلَى مَا يُصِيبُكُمْ كَمَا فَعَلَ هُوَ إِذْ كُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ وَجُرِحَ وَجْهُهُ، وَقُتِلَ عَمُّهُ وَأُوذِيَ بِضُرُوبٍ مِنَ الْأَذَى، فَوَاسَاكُمْ مَعَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَافْعَلُوا أَنْتُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا وَاسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ، ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ﴾ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: "لَكُمْ" وَهُوَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي: أَنَّ الْأُسْوَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرْجُو ثَوَابَ الله. وقال مقال: يَخْشَى اللَّهَ (١) ﴿وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ أَيْ: يَخْشَى يَوْمَ الْبَعْثِ الَّذِي فِيهِ جَزَاءُ الْأَعْمَالِ، ﴿وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ فِي جَمِيعِ الْمَوَاطِنِ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ.
﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (٢٢) ﴾

(١) انظر: زاد المسير: ٦ / ٣٦٨.

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (٢٣) ﴾
ثُمَّ وَصَفَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ لِقَاءِ الْأَحْزَابِ فَقَالَ: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا﴾ تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَصْدِيقًا لِوَعْدِهِ: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ وَعْدُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ" إِلَى قَوْلِهِ: "أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (الْبَقَرَةِ-٢١٤)، فَالْآيَةُ تَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَلْحَقُهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْبَلَاءِ، فَلَمَّا رَأَوُا الْأَحْزَابَ وَمَا أَصَابَهُمْ مِنَ الشِّدَّةِ قَالُوا: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [أَيْ: تَصْدِيقًا لِلَّهِ وَتَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ] (١). قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ أَيْ: قَامُوا بِمَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَوَفَّوْا بِهِ، ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ أَيْ: فَرَغَ مِنْ نَذْرِهِ، وَوَفَّى بِعَهْدِهِ، فَصَبْرَ عَلَى الْجِهَادِ حَتَّى اسْتُشْهِدَ، وَالنَّحْبُ: النَّذْرُ، وَالنَّحْبُ: الْمَوْتُ أَيْضًا، قَالَ مُقَاتِلٌ: "قَضَى نَحْبَهُ"، يَعْنِي: أَجْلَهُ فَقُتِلَ عَلَى الْوَفَاءِ، [يَعْنِي حَمْزَةَ وَأَصْحَابَهُ. وَقِيلَ: "قَضَى نَحْبَهُ" أَيْ: بَذَلَ جُهْدَهُ فِي الْوَفَاءِ] (٢) بِالْعَهْدِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: نَحَبَ فُلَانٌ فِي سَيْرِهِ يومه وليلته أجمع، إِذَا مَدَّ فَلَمْ يَنْزِلْ، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ الشَّهَادَةَ.
(١) زيادة من "ب".
(٢) ساقط من "أ".


الصفحة التالية
Icon