قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ أَيْ لَا يُظْهِرْنَ زِينَتَهُنَّ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَأَرَادَ بِهَا الزِّينَةَ الْخَفِيَّةَ، وَهُمَا زِينَتَانِ خَفِيَّةٌ وَظَاهِرَةٌ، فَالْخَفِيَّةُ: مِثْلُ الْخَلْخَالِ، وَالْخِضَابِ فِي الرِّجْلِ، وَالسُّوَارِ فِي الْمِعْصَمِ، وَالْقُرْطِ وَالْقَلَائِدِ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا إِظْهَارُهَا، وَلَا لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إِلَيْهَا، وَالْمُرَادُ مِنَ الزِّينَةِ مَوْضِعُ الزِّينَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ أَرَادَ بِهِ الزِّينَةَ الظَّاهِرَةَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ الثِّيَابُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: "خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" (الْأَعْرَافِ-٣١)، وَأَرَادَ بِهَا الثِّيَابَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْوَجْهُ وَالثِّيَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْخِضَابُ فِي الْكَفِّ.
فَمَا كَانَ مِنَ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ جَازَ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَشَهْوَةً، فَإِنْ خَافَ شَيْئًا مِنْهَا غَضَّ الْبَصَرَ، وَإِنَّمَا رُخِّصَ فِي هَذَا الْقَدْرِ أَنْ تُبْدِيَهُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَدَنِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَتُؤْمَرُ بِكَشْفِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَسَائِرُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ يَلْزَمُهَا سَتْرُهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ﴾ أَيْ: لِيُلْقِينَ بِمَقَانِعِهِنَّ، ﴿عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ وَصُدُورِهِنَّ [لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورَهُنَّ وَصُدُورَهُنَّ] (١) وَأَعْنَاقَهُنَّ وَأَقْرَاطَهُنَّ. قالت عائشة ٣٩/أرَحِمَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا (٢).
﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ يَعْنِي: الزِّينَةَ الْخَفِيَّةَ الَّتِي لَمْ يُبَحْ لَهُنَّ كَشْفُهَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا لِلْأَجَانِبِ، وَهُوَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ ﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي لَا يَضَعْنَ الْجِلْبَابَ وَلَا الْخِمَارَ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، أَيْ إِلَّا لِأَزْوَاجِهِنَّ، ﴿أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ﴾ فَيَجُوزُ لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ، وَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ النَّظَرُ إِلَى فَرْجِهَا.

(١) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٢) أخرجه البخاري في التفسير، باب: "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" ٨ / ٤٨٩.


الصفحة التالية
Icon