مِنْ أَهْلِ السَّهْلِ وَأَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْهُ، فَكَانَ يَخْدِمُهُ وَاتَّخَذَ شَيْئًا مِثْلَ الَّذِي يُزَمِّرُ بِهِ الرِّعَاءُ فَجَاءَ بِصَوْتٍ لَمْ يَسْمَعِ النَّاسُ مِثْلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ حَوْلَهُمْ فَانْتَابُوهُمْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، وَاتَّخَذُوا عِيدًا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ، فَتَتَبَرَّجُ النِّسَاءُ لِلرِّجَالِ وَيَتَزَيَّنَّ الرِّجَالُ لَهُنَّ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ هَجَمَ عَلَيْهِمْ فِي عِيدِهِمْ ذَلِكَ فَرَأَى النِّسَاءَ وَصَبَاحَتَهُنَّ فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ [فَتَحَوَّلُوا إِلَيْهِمْ] (١) فَنَزَلُوا مَعَهُمْ فَظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِيهِمْ، (٢) فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى".
وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ (٣).
وَقِيلَ: الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى: مَا ذَكَرْنَا، وَالْجَاهِلِيَّةُ الْأُخْرَى: قَوْمٌ يَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.
وَقِيلَ: قَدْ تُذْكَرُ الْأُولَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أُخْرَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى" (النَّجْمِ-٥٠)، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أُخْرَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ أَرَادَ بِالرِّجْسِ: الْإِثْمَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ النِّسَاءَ عَنْهُ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي: عَمَلَ الشَّيْطَانِ وَمَا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ رِضًى، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: السُّوءَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الرِّجْسُ الشَّكُّ.
وَأَرَادَ بِأَهْلِ الْبَيْتِ: نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُنَّ فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَلَا قَوْلَهُ: " وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ "، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَمُقَاتِلٍ.
وَذَهَبَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعَيْنَ، مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا: إِلَى أَنَّهُمْ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (٤).
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ زَائِدَةَ، أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ الْحَجَبِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ، فَجَلَسَ فَأَتَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا فِيهِ [ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ] (٥) ثُمَّ جَاءَ حَسَنٌ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ حُسَيْنٌ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" (٦).
(٢) انظر: الطبري: ٢٢ / ٤.
(٣) انظر: الطبري: ٢٢ / ٤-٥، الدر المنثور: ٦ / ٦٠١.
(٤) انظر: زاد المسير: ٦ / ٣٨١.
(٥) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٦) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: فضل أهل البيت، برقم: (٢٤٢٤) ٤ / ١٨٨٣، والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ١١٦.