كُلِّ الْأَحْوَالِ، فَقَالَ: "فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ" (النِّسَاءِ-١٠٣). وَقَالَ: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ أَيْ: بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَفِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَفِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الذِّكْرُ الْكَثِيرُ أَنْ لَا تَنْسَاهُ أَبَدًا.
﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (٤٣) ﴾
﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (٤٤) ﴾
﴿وَسَبِّحُوهُ﴾ أَيْ: صَلُّوا لَهُ، ﴿بُكْرَةً﴾ يَعْنِي: صَلَاةَ الصُّبْحِ، ﴿وَأَصِيلًا﴾ يَعْنِي: صَلَاةَ الْعَصْرِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: "وَأَصِيلًا" صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءَيْنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: قُولُوا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَعَبَّرَ بِالتَّسْبِيحِ عَنْ أَخَوَاتِهِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: "ذِكْرًا كَثِيرًا" هَذِهِ الْكَلِمَاتُ يَقُولُهَا الطَّاهِرُ وَالْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ (١). ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ﴾ فَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ: الرَّحْمَةُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ: الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ السُّدِّيُّ قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: أَيُصَلِّي رَبُّنَا؟ فَكَبُرَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى مُوسَى، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ قُلْ لَهُمْ: إِنِّي أُصَلِّي، وَإِنَّ صَلَاتِي رَحْمَتِي، وَقَدْ وَسِعَتْ رَحْمَتِي كُلَّ شَيْءٍ (٢).
وَقِيلَ: الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ هِيَ إِشَاعَةُ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ لَهُ فِي عِبَادِهِ. وَقِيلَ: الثَّنَاءُ عَلَيْهِ.
قَالَ أَنَسٌ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ، يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا خَصَّكَ اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِشَرَفٍ إِلَّا وَقَدْ أَشْرَكَنَا فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (٣).
قَوْلُهُ: ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ أَيْ: مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ يَعْنِي: أَنَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَهِدَايَتِهِ وَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ لَكُمْ أَخْرَجَكُمْ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى النُّورِ، ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ ﴿تَحِيَّتُهُمْ﴾ أَيْ: تَحِيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ، ﴿يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ﴾ أَيْ: يَرَوْنَ اللَّهَ، ﴿سَلَامٌ﴾ أَيْ: يُسَلِّمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيُسَلِّمُهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ.

(١) انظر: البحر المحيط: ٧ / ٢٣٧، زاد المسير: ٦ / ٣٩٧-٣٩٨.
(٢) انظر: الدر المنثور: ٦ / ٦٢٢.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٦٢٢ لعبد بن حميد وابن المنذر.


الصفحة التالية
Icon